بقلم/ ماجد كامل
تمثل محكمة أوزيريس نموذجا رائعا لما وصل اليه الانسان المصري القديم من ضمير حي وسمو رفيع في القيم والأخلاق .
ولقد وردت تفاصيل هذه المحاكمة في الفصل 125 من كتاب "الخروج إلي النهار " والذي عرف ب"كتاب الموتي " وهذا الفصل يطلق عليه " فصل الاعتراف السلبي " أو "فصل المحاكمة " .وفكرة المحاكمة باختصار شديد تقوم علي أن المتوفي يقدم للمحكمة المكونة من أثنين وأربعين إلها المحيطين بأوزيريس تقريرا عما فعله في حياته ؛ ثم ينزع قلبه منه ويوضع في كفة ميزان ؛وفي الكفة الأخري توضع ريشة هي رمز للإله ماعت ربة الحق والعدل عند المصريين القدماء ؛ وفي حالة عدم تساوي الكفتين (وهذا رمز وإشارة لشرور المتوفي وعدم صدق اعترافه ) يظهر حيوان أسطوري برأس تمساح وجسم أسد ويقوم بإلتهام قلب المتوفي ؛ثم يذهب المتوفي بعد ذلك إلي الجحيم "بالهيروغليفية والقبطية تعرف بأسم الامنتي " .
أما في حالة تساوي الكفتين فهذا رمز وإشارة لطهارة المتوفي وصدق اعترافه ؛فيخرج بعدها ويذهب إلي حقول ياور "المقصود بها الجنة وكلمة ياور مفرد نياروو ومعناها الأنهار باللغتين الهيروغليفية والقبطية " .
ولهذا السبب ورد في الفصل 30 من كتاب الموتي نداءا يوجهه المتوفي إلي قلبه يقول له فيه ( ياقلبي من أمي ؛لا تقف ضدي شاهدا ؛ولا تتفوه بشئ ضدي وقل لقد قعل حقا مافعلته أنا أيضا ؛ولاتدع شكوي ضدي أمام الإله الأكبر سيد الغرب أوزيريس ؛ليتكم تخبرون رع بمحاسني ؛ليتكم ترسلوني لمنعم الأرواح ) .
وعودة مرة أخري إلي الفصل 125 .والحق أني كنت راغبا في عرض إعترافات الفصل بالكامل نظرا لما تكشفه من روعة وجمال ودقة وأمانة في الاعتراف والضمير الصالح النقي ؛ ولكنني سأكتفي بعينة منه فقط في حدود المساحة المتاحة من المقال ؛ ويبدأ الفصل هكذا :-
( التحيات لك أيها الرب العظيم ؛رب العدل المطلق ؛ جئتك سيدي وجيء بي لمشاهدة كمالك
أنا أعرفك وأعرف الآلهة الأثنين والأربعين ؛الذين معك في ساحة العدل المطلق
أنا أعطيت الحق لفاعله ؛ لم أظلم إنسانا ؛ لم أرتكب حماقة في مكان الحق ؛
لم أغضب الرب ؛لم أبدد ميراث اليتيم ؛ لم أش بعامل عند رئيسه ؛
لم أتسبب في تعاسة أحد ؛ لم أترك جائعا ؛لم أتسبب في دموع لأحد ؛
لم أقتل ولم أحرض علي القتل ؛لم أعذب أحدا ؛
لم أزن ؛ لم أنجس نفسي في الأماكن الطاهرة في معبد مدينتي
لم أزد ولم أنقص في المكيال ؛ لم أغش في مقياس الأرض
ولم أتلاعب في مثقال الميزان ؛ولم أزحزح مؤشر الميزان
لم أنتزع لبنا من فم رضيع ؛ لم أمنع ماء الفيضان في موسمه
لم أبن سدا للمياه الجارية ؛ أنا لم أرتكب ظلما ؛أنا لم أسرق ؛
أنا لم أكن جشعا ؛ أنا لم أنهب ؛أنا لم أقتل إنسانا ؛
أنا لم أكذب ؛أنا لم أتسبب في بكاء أحد ؛
أنا لم أكن سريع الغضب ؛أنا لم أقم بالفساد
أنا لم أتسبب في شجار ؛أنا لم أكن مهملا .
حقا لقد صدق أحد علماء المصريات الأجانب حين قال "أن الحضارة تحت جلود المصريين " .