إعداد/ ماجد كامل
يمثل القديس أمبروسيوس ST .Ambrose ( 339- 397 م تقريبا ) حلقة فارقة في تاريخ الكنيسة المسيحية بصفة عامة ؛والكنيسة اللاتينية بصفة خاصة . فهو القديس الذي بفضل عظاته وتفاسيره للكتاب المقدس آمن القديس أوغسطينوسST .Augustine (354- 430 م ) بالمسيحيبة .
وهو من الناحية الأدبية يعتبر خطيبا مفوها حتي أعتبر أنه موازيا للخطيب الروماني شيشرون ( 106 ق .م -43 ق .م ) حتي دعي "شيشرون المسيحي" ولقد أنتشرت كتاباته انتشارا واسعا
أما عن القديس أمبروسيوس نفسه .
فلقد ولد عام 340 م من أسرة تقية وثرية ؛فوالده كان حاكما لبلاد الغال (فرنسا حاليا ) في عهد الملك قسطنطين الصغير ( ابن قسطنطين الكبير ) .
وكانت شقيقته الكبري الكبري مارسلينيا إنسانة تقية لعبت دورا كبيرا في تربيته .وعندما بلغ الثالثة عشر من العمر توفي والده فأنتقلت الأسرة إلي روما ؛ ودرس أمبروسيوس علوم البيان والبلاغة والقانون الروماني .
وتدرج في المناصب الإدارية حتي وصل الي منصب حاكم ميلان . وبعد وفاة أسقف ميلانو ؛حضر أمبروسيوس اختيارات الأسقف الجديد ؛سمع الجميع صوتا يقول " إمبروسيوس هو الأسقف " وتكرر الصوت عدة مرات ؛ فطالب الجميع برسامته أسقفا لميلانو ؛ولكنه رفض بشدة ؛ولكنه أضطر تحت ضغط وإلحاح الشعب أن يوافق . وأرسل إليه القديس باسيليوس الكبير رسالة يهنئه فيها علي منصبه الجديد .
وعندما صار أسقفا ؛بذل جهودا جبارة في خدمة الأسقفية ؛فلقد كانت المدينة توجد بها جذور الأريوسية ؛كما كانت بعض رواسب الوثنية ما زالت قائمة .
فطالبوا بإقامة تمثال للإلهة "فيكتوريا " في ميدان عام كرمز لإنتصار روما ؛فوجه القديس أمبروسيوس رسالة إلي الإمبراطور فالنتيان الثاني ؛يطالبه فيه بمنع إقامة التمثال ؛ وبالفعل نجح في مهمته ولم يستطع الإمبراطور إقامة التمثال في مكانه كما كان يريد . ثم جاءت المعركة الثانية مع بقايا الأريوسية ؛ فلقد أرادت والدة الإمبراطور ؛وكانت ذات ميول أريوسية ؛ أن تقيم كنيسة للأريوسين ؛وبالفعل نجحت في الضغط علي الإمبراطور أن يقيم كنيسة لهم ؛ فقام القديس أمبروسيوس بالإقامة في الكنيسة المذكورة ؛وحتي قام فرقة من الجنود بإحاطة الكنيسة بقوة من الجنود .
فثبت القديس وشعبه في الكنيسة يرفضون الخروج ؛ حتي يئس الإمبراطور وطالب برفع الحصار عن الكنيسة . وهكذا إنتصرت إرادة القديس والشعب .
وفي خلال عام 390 م ؛ قام الشعب بعمل ثورة ضد قائد روماني وقتلوه ؛ فثارت ثائرة الإمبراطور ثيؤدسيوس الكبير
Theodsious 1 ( 347- 395 م تقريبا ) . فقام بخداع الشعب ودعاهم إلي حضور حفلة ترفيهية في أحدي الملاعب الكبري ؛ وما أن تجمعوا كلهم حتي أنقض العسكر عليهم وقاموا بذبحهم جميعا ؛وكان عدد الموجودين حوالي سبعة آلاف قتيل تقريبا . فقام القديس أمبروسيوس بتوجيه رسالة شديدة اللوم إليه ( النص الكامل للرسالة موجود في كتاب تاريخ الكنيسة عصر الآباء من القرن الأول وحتي السادس لجون لوريمر ؛ صفحتي 313؛ 314 ) . وعندما تقدم الإمبراطور للتناول ؛ منعه القديس أمبروسيوس من دخول الكنيسة ؛وقال له " كيف ترفع يدك بالصلاة ومازلتا تقطران دما ؟ أقول لك
أبتعد " فحزن الإمبرطور حزنا شديدا وأكتئب ؛حتي أنه سأله أحد رجال القصر عن سر اكتئابه ؛أجاب بقوله " أنت لا تشعر بتعاستي .كنيسة الله مفتوحة للعبيد والشحاتين والمتسولين أما بالنسبة لي فهي مغلقة ومعها أبواب السماء " .
فطالبه القديس أن يقضي ثلاثين يوما في توبة وندم عميق . وبعدها يأتي إلي الكنيسة بدون الزي الإمبراطوري . وعندما نفذ الإمبراطور التعليمات ؛قبل القديس توبته وإعترافه ؛وسمح له بالعودة إلي التناول ؛ وعندما توفي الإمبراطور في عام 395م ؛قام القديس بتأبينه .
ولقد توفي القديس أمبروسيوس بعدها بسنتين ؛وتحديدا في 4 أبريل 397م عن عمر يناهز 58 عاما تقريبا .
أما عن الكتابات التي تركها القديس أمبروسيوس فهي :-
1- عظة عن ستة أيام الخليقة ؛وهي عبارة عن 9 عظات تأثر فيها القديس أمبروسيوس بالقديس باسليوس الكبير كثيرا .
2- واجبات الإكليريكين وهوبحث أستوحي فيه القديس أسلوب شيشرون ؛ محولا الكلام من الوظائف المدنية إلي الوظائف والواجبات الكنسية .
3- الحث علي البتولية :- وهي مجموعة عظات مختلفة وضعها القديس أمبروسيوس في بداية خدمته في الأسقفية .
4-في الإيمان :- وهو عبارة عن خمسة كتب كتبها القديس عام 381م لأحد الشباب عندما طلب منه بعض نصائح في الإيمان ؛وفيه يدافع القديس عن لاهوت السيد المسيح ؛وتشمل أيضا ثلاثة كتب في الروح القدس ؛وكتاب في سر التجسد الإلهي . وجميع هذه الكتب للردعلي الأريوسية .
5- كتابان في الأسرار كتبهما القديس خلال عامي 390 أو 391 م ؛وهي موجهة للموعظين الذين نالوا حديثا سر المعمودية .
6- كتابان في التوبة ؛كتبهما القديس خلال أعوام ( 387- 390 م) .
7- في الترانيم :- حيث يعد القديس أمبروسيوس هو أبو الترنيم الكنسي اللاتيني ؛وأناشيده تعد ركنا أساسيا في صلوات الكنيسة اللاتينية .
8- الخطب والرسائل :- وله حوالي 91 رسالة ؛ وخطابان تأبين .
ولقد غطي القديس أمبروسيوس في كتبه معظم القضايا اللاهوتية مثل ( الثالوث – طبيعة السيد المسيح –الملائكة – الخطيئة الأصلية – السيدة العذراء - ..... الخ ) .
أما عن المكتبة الأمبروزية ؛ فالثابت تاريخيا عن القديس أمبروسيوس أنه كان قارئا نهما ؛ حتي قال عنه القديس أغسطينوس ( 345- 430 م ) . (والجدير بالذكر أن عظات القديس أمبروسيوس كانت من أهم أسباب توبة القديس أغسطينوس ) " كان أمبروسيوس قارئا غير عاديا ؛ عندما يقرأ ... كانت عيناه تغطيان الصفحة ؛وكان يستقبل المعاني بقلبه ؛وكان صوته يصمت ؛ويبقي لسانه دون حراك .
وكان بمقدور كل واحد أن يقترب منه بمطلق الحرية .ونظرا لأن الضيوف لم يكونوا يعلنون مسبقا قدومهم ؛كان يحدث عندما نزوره أن نراه يقرأ بصمت مطبق لأنه لم يكن يقرأ بصوت عال قط " . ( ألبرتو مانغويل :- تاريخ القراءة ؛ دار الساقي ؛ 2008 ؛ صفحة 56 ) .
ولقد أهتم الكاردينال فيدريكو بورميو Frederigo Berrimeo ( 1564- 1631 )رئيس أساقفة ميلانو ؛والذي كان عالما كبيرا ومؤلفا خصبا الانتاج بالنسبة لعصره ؛ فقام بجمع ما تبقي من كتب ومخطوطات القديس أمبروسيوس ؛ وأضاف إليها مئات الكتب الأخري ؛كما أنشأ مطبعة خاصة لمطبوعات المكتبة ؛ وألحق بها أكاديمية للفنون ؛ وأهتم خلال السنوات ( 1603- 1609 م ) ببناء مبني خاص يقوم بجمع كل هذه المقتنيات . وـأحتوت المكتبة الأمبروزية علي آلاف المخطوطات والكتب (لمزيد من التفصبل راجع :- الفرد هيسيل :- تاريخ المكتبات ؛ترجمة شعبان خليفة ؛ المكتبة الأكاديمية ؛ صفحة 88 و89 ) .
ولقد أفتتحت المكتبة رسميا في 8 ديسمبر 1609 ؛ وضمت في البداية نسخة أصلية من ملحمة الألياذة لهوميروس ؛ ونسخ من لوحات ليوناردو دافنشي ؛ كما ضم الكاردينال بورميو Cardinal Borromeo كل مجموعة مقتنياته الخاصة من مكتبته الشخصية وتشمل 172 لوحة تشكيلية . ومن بين الشخصبات الذين ترددوا عليها نذكر الشاعر الأنجليزي الكبير اللورد بيرون Lord Byron ( 1788- 1824 ) ؛ ولعل من أشهر وأهم الكنوز التي أحتوتها هذه المكتبة نذكر وثيقة موراتوري التي أكتشفها العالم الايطالي الشهير لودفيج انتونيو موراتوري Ludovico Antonio Muratori ( 1672- 1750 ) ( راجع مقالنا عنه وعن هذه الوثيقة علي صفحة الاقباط متحدون بتاريخ 23 يناير 2020 ) .
كما قامت الروائية ماري شيليي Mary Shelley ( 1797- 1851 ) بزيارة المكتبة ؛ومسجل تاريخ زيارتها للمكتبة 14 سبتمبر 1840 م . وحاليا تحتوي المكتبة ما يقرب من 30000 مخطوطة ووثيقة باللغات اليونانية ؛واللاتينية ؛ والعبرية ؛ والسريانية ؛ والعربية ؛والأثيوبية ؛والتركية ؛والفارسية .
ومن بين أشهر مديرين المكتبة نذكر البابا بيوس الحادي عشر Pope Pius X1 (1922- 1939 ) بابا الكنيسة الرومانية رقم (258 ) . والكاردينال جان فرانكو رافازي رئيس المجلس البابوي للثقافة ( لمزيد من التفصيل راجع موقع Biblioteca Ambrosiana علي شبكة الانترنت ) .
ولقد تعرضت المكتبة للتدمير خلال الحرب العالمية الثانية ؛ولكن تم ترميمها في عام 1952 . وفي خلال الفترة من (1990- 1997 ) تم تجديدها بالكامل . ( نفس المرجع السابق ذكره) .
بعض مراجع ومصادر المقالة :-
1- كيرلس سليم بسترس وآخرون :- تاريخ الفكر المسيحي عند آباء الكنيسة ؛منشورات المكتبة البوليسية ؛ طبعة أولي 2001 ؛ الصفحات من (701- 713 ) .
2- جون لوريمر :- تاريخ الكنيسة عصر الآباء من القرن الأول وحتي السادس ؛ دار الثقافة ؛الطبعة الأولي ؛2013؛ الصفحات من (309- 316 ) .
3- ايرل كيرنز :- المسيحية عبر العصور ؛ ترجمة عاطف سامي برنابا ؛ إرسالية كنيسة الله بمصر ؛1992 ؛ صفحة 168 ؛169 .
4- سميرنوف :- تاريخ الكنيسة المسيحية ؛تعريب المطران الكسندروس جحا ؛مكتبة السائح ؛بيروت ؛ صفحات 311 ؛312 .
4- ألبرتو مانغويل :- تاريخ القراءة ؛ ترجمة سامي شمعون ؛دار الساقي ؛ الطبعة الثانية ؛2008 ؛ صفحة 56 .
5- الفرد هيسسيل :- تاريخ المكتبات ؛ ترجمة شعبان عبد العزيز خليفة ؛المكتبة الأكاديمية ؛ 1993 ؛ صفحة 88 و89 .
6- قداسة البابا شنودة الثالث ؛محاضرة عن القديس أمبروسيوس موجودة علي اليوتيوب .
7- القس باسيليوس صبحي :- الإيمان في فكر القديس أمبروسيوس ؛ محاضرة موجودة علي اليوتيوب .
8- خوان داثيو :- معجم الباباوات ؛ نقله الي العربية أنطوان سعيد خاطر ؛دار المشرق بيروت ؛ طبعة أولي 2001 ؛ صفحة 347 .
9- Biblioteca Ambrosiana – Wikipedia
10- Ambrosian Library /Milan /Italy /AFAR
11- Biblioteca and Pionacoteca Ambrosiana (Ambrosian Library and Art Gallery)
12- Ambrosian Library 2020 9 top things to do in Milan