"تعلم تحرر "
قراءه في عقل المفكر البرازيلي بولو فريري "معلم المقهورين"
قراءه: نبيل صموئيل
كرس بولو فريري المفكر البرازيلي والذي لقب بمعلم المقهورين حياته لتغيير أوضاع الفقراء والمهمشين والمستضعفين، على مستوى العالم تغييرا جوهريا، جاعلا من التعليم والوعي النقدي مدخلا للتحرر من القهر.
وقد سعي هذا المفكر الثوري والذي رحل في نهايه التسعينيات لصك فكرا أصيلا، سعى بواسطته إلى تغيير الواقع الاجتماعي الغير مرغوب، رافضا أن تكون نظرياته مجرد استنساخ كربوني لما أنتجه الآخرون، ودون مراعاة للتاريخ والثقافة والبيئة أي للسياق. وبذلك يكسر القاعدة التي تربط إنتاج الأفكار بالغرب، وتجعل الاستهلاك من نصيب بقية شعوب العالم، وذلك بإعمال الفكر النقدي المتفاعل مع ظروف بلده القاسية "الاستغلال، الفقر، والتبعية..."،
بلور هذا التربوي الفذ من خلال ممارسته في مجال التربية، أطروحة حول "فلسفة التربية والتعليم"، تقوم على تغيير دور التعليم في جدلية علاقته بالسلطة والمقهورين.
يرى هذا المعلم أن الحرية والكرامة محددان للوعي بالتعليم كشرط أساسي للتحرر، لذلك لا وجود عنده لتعليم محايد، فهو إما أداة للقهر أو محفزا للتحرير، وفي ذلك يقول: "التعليم عملية سياسية كما أن السياسة عملية تربوية". ومن خلال ذلك ظهر منهج تعليم الكبار الهام لدينا "تعلم تحرر"
فنحت فريري مجموعة من المفاهيم التأسيسية لأطروحته، نجد من جملتها: "ثقافة الصمت" التي يطرحها كتعبير عن القهر، الذي تجاوز البنية الاجتماعية والاقتصادية، ليصبح بنية ثقافية يتم فيها قبول الواقع القهري، مع التأرجح بين وهم التفاؤل وقهر التشاؤم، دون أي قدرة على تغيير الواقع أو السعي الجاد نحو المستقبل. بذلك، يكون الحل هو السعي لاستعارة أو استيراد الحلول دون أي فحص أو تحليل نقدي لسياقاتها التاريخية التي ظهرت وتبلورت فيها. ويعتبر "التعليم البنكي" (بنك المعرفه) يمثل إحدى صور "إيديولوجية الاضطهاد"،
وعندما نحاول ان نجد صورا واقعيه في حياتنا تشكل وتصور ثقافه الصمت هذه نجد مثلا التعبيرات والسلوكيات:
- الطاعه العمياء والخنوع، الخنوع والإستكانه، الرضوخ والإحساس بالقهر والإستبداد
- العجز والسلبيه والإنسحابيه، التواكل، الكذب والنفاق ومسح الخوخ
- تمجيد الفقر والعوز (الفقر حشمه) (بات مغلوب ولا تبات غالب)، (إمشي جنب الحيط)
- (إش جابك يا صعلوك وسط الملوك)، (وإش جاب الكرشه للكباب)
- المكتوب علي الجبين لازم تشوفه العين، وإن كنت في بلد بيعبدوا الوحش حش وإرميله
ومن مسلمات القهر والإستبداد والعبوديه:
- الكبير أكثر علما وخبره وحكمه من الصغير
- الرئيس دائما أكثر علما وفهما وخبره من المرؤوس
- رجل الدين! دائما أكثر علما وفهما وروحانيه من الشعب الذي يرعاه!
- الرجل أكثر حكمه وفهما وقوه وإحتمالا من المرأه
لذا فعلي هؤلاء الأضعف السمع والطاعه وعدم الإعتراض أو المخالفه في الرأي
وفي نظر فريري أن سياسات القهر والإستبداد تتمثل في تربيه العقول الخانعه المطبعه دائما، وتتربي علي عدم القدره علي التفكير والنقد والتحليل والإعتراض، والعجز عن العمل والإحساس بالعجز والخوف، والرضي بما هو كائن (بإعتباره مقدر ومكتوب) والرضي بأقل القليل للحياه وبذلك تستمر حاله الإستبداد لعقود من الزمان بل لقرون منه.
- الإنسان وتكوينه:
ونحن نعلم أن الانسان يولد بدرجات متفاوته في القدرات والإمكانيات والإستعداد وتختلف من شخص لآخر بسبب عوامل وراثيه وبيئية لا دخل للإنسان فيها، لذا فإن عمليه التنشئه والتربيه والتعليم هي التي تعاون علي إكتشاف قدراته وإمكانياته الكامنه وتنميها وتطورها وتعظم منها، كما يمكن لهذه العمليات أيضا إذا كانت غير صحيه وصحيحه أن تكتم وتدفن هذه القدرات والإمكانيات فيتحول الإنسان الي طاقه خامله معطله تقليديه صامته تخاف من التعبير والتجديد وتقف في طابور الملايين الصامتين الخانعين العاجزين.
والدرس الذي يمكن أن نتعلمه من بولو فريري هو أننا يمكن أن نجتهد وعلينا أن نتحرك ونعاون الكثيرين من الذين يعانون من ضغوط وإستغلال وقهر للإنتقال من حاله ثقافه الصمت والإستكانه الي حاله من التجديد والتفكير والإبداع والقدره علي تغيير الواقع. وهي عمليه صعبه ومستمره لكنها ممكنه طالما كان الإنسان هو في جوهر عمليه التغيير والتنميه والتمكين.
ومن أهم الأدوات والآليات التي أبدع فيها فريري هو بناء التفكير النقدي لواقع الناس وبناء إرادتهم للعمل معا لتغيير هذا الواقع الغير مرغوب فأصبحوا غير راغبين علي إستمراره.
- التفكير النقدي:
هو ذلك النوع من التفكير الذي يتسم بحساسيه فائقه لإدراك الواقع ومشكلاته وتحدياته وتحليل اسبابه وتقييمها لإدراك نواحي القصور، مع إمتلاك القدره علي توليد أفكار وبدايل تتسم بالتميز والتفرد والمرونه في التحول والتطوير من فكره إلي أخري،
ويشمل ذلك قدرات ومهارات التحليل والتصور وإستقراء المستقبل والتركيب والبناء وإيجاد علاقات مترابطه وتفسيرات متميزه، ويصاحب ذلك مثابره وإصرار للبحث والإستمرار وإيجاد بدائل.
مترادفات التفكير النقدي:
- التفكير النقدي، التحليل النقدي، الوعي النقدي، الرؤيه النقديه
- التفكير الحواري، التحليل الحواري
- إداره التناقض، التعارض والإختلاف، وجهات النظر المختلفه
مراحل التفكير النقدي:
- فحص ذاتي Appraisal
- الإكتشاف Exploring
- أحداث وموقف موقظه تحدث قلق. Trigging events
- تطوير وجهات نظر وبدائل Developing perspectives & alternatives
- الربط والتداخل Integration
أسئله تعاون علي تطوير بدائل وسيناريوهات للتفكير والمواجهه:
- كيف سيكون وضع المشكله اذا تم ادارتها بطريقه مختلفه؟
- ما التغييرات التي يمكن ان تطرأ علي أسلوب تفكيرك؟
- ما الذي يمكن أن تفعله مختلفا مع الناس القريبين منك؟
- ما الذي كان ممكنا أن تتجنبه؟
- ما الذي يمكن أن أفعله الآن؟
- مالذي كنت أرغب أن أحققه ولم يتحقق؟
كيف تعاون أصحاب التفكير النقدي:
- أستمع لهم جيدا، إظهر أفكارهم وأفعالهم، تأكيد القيمه الإنسانيه، عاون الآخرين ليتعلموا منهم، قم بعمليه مستمره للتقييم، عاون علي التشبيك، كن معاونا ناقدا
يتسم المعاون/الميسر/المرشد في بناء عمليه التفكير النقدي ب:
الوضوح والفهم السريع ، الإتساق في التفكير وعدم التناقض، الإنفتاح والأمانه الفكريه، الكشف عما يفكر فيه ويسلك بما يرتضيه ضميره، قدره عاليه علي الإنصات والتواصل ويوضح دائما أسباب تصرفاته