محمد حسين يونس
نحن علي كوكبنا الازرق هذا .. نعيش في أوهام دائمة ومستمرة.. ننظر الي السماء فنعتقد أننا نرى نجوما و كواكب في حين أننا نرى أجراما سماوية كانت هناك منذ ملايين السنين الضوئية التي إستغرقتها رحلة الضوء عبر الفضاء حتي يصلنا.. و أن هذا الذى يضوى .. كان يضوى و لم يعد بعد موجودا. في مكانه أو حتي في الواقع .
اليقين في هذه الحياة غباء مطلق .. فلا يوجد بين العقلاء من يدعي أن هذه الشمس التي تشرق علينا يوميا كانت تفعل هذا بنفس الشكل منذ زمن (رع )..أى منذ زمن شديد البعد .. أو أن القمر هذا سيبقي علي حالة ودورته و مسافته بعيدا عن الارض للابد ..
إنها مجرد مجموعة من الصدف التي جعلت البيئة علي هذا الكوكب صالحة لنمو الكائنات الحية .. و هي مصادفة أيضا أن تخرج من بين هذه الكائنات كائنا يتميز بالوعي بما يدور حوله ..
وقد يحدث العكس فتصبح بيئة هذا الكوكب غير صالحة للحياة فتفني و تندثر و تتصحر الارض وتبقي سابحة في الفضاء دون كائنات مثل مليارات الاجرام التي لا تحمل حياة .
فلننظر إلي الكائنات التي تستوطن كوكبنا .. في قاع المحيط أنماط من الحياة لا يمكن حصرها .. ولازالت تتطور و تتغير .. و تظهر كل يوم جديد ..
و علي اليابسة .. مليارات الاشكال الحية نباتية و حيوانية و حشرات و طفيليات .. و بيكتريا .. .. تشاهد الفراشات الجميلات أو الورود المبدعات .. أو أنواع النمل و النحل .. فتندهش .. وتتسأل لماذا وجدت كل هذه الكائنات المتنوعة .؟.
فلا تجد إجابة إلا إنها نتاج لتجارب الحياة علي الارض ( لثلاثة مليارات سنة ) و العلاقة المتبادلة بين البيئة و الكائنات .. وقدرتها علي التوائم أو الاندثار .. كل كائن له إسلوبه في التواجد و الاستمرار .. و كل الكائنات تقتات علي بعضها بعضا .. وتنمو علي إفناء الاخر .
هذا العالم الذى نعيش فية شديد الصعوبة في فهمة
..وهو أيضا شديد العدوانية و الضراوة في صراعة و نحن كبشر كائنات هشة ضعيفة كأفراد .. جعلها العقل و تراكم الخبرة و توارث التجربة كجماعات .. قادرة علي التدمير و التعمير .. البناء و الهدم .. التواجد في سلام .. و التواجد بعدوانية ..
الفارق ..أن البعض منا يفهم مقدار ضئالة حجمة في مواجهة الكون .. فيصبح متواضعا حكيما مسالما باحثا مطورا .. وأخرأخذته العزة بالنفس لأن يتصور أنه القادر الذى لا يقف أمام إرادته عائقا أو تحقيق رغباته شيئا .
يوجد من تفهم .. أنه جزء من منظومة واسعة من الموجودات عليه التعايش معها . بالعلم و الفهم و تطوير أساليب المعرفة .. فأصبح يقترب من صورة الانسان كما من المفترض أن يكون .. ويوجد أيضا هذا الاناني الذى يرى أن علي الكون الانحناء له قسرا فهو قد إرتد ليصبح الاقرب لسلوك الضوارى .
الانسان هو الوحيد القادر علي الاستمرار .. لانه يعرف .. أما الضوارى فمصيرها ..أن تندثر مثل الديناصير و تختفي سلالتها .
رحلة البشر من الغابة للمدنية .. رحلة طويلة بقياس عمرنا .. ولكنها دقائق في عمر الارض .. و لمحة في عمر المجرات .. ولاشيء في عمر الكون .. إننا لازلنا في البداية نلهو ببعض القواقع علي شاطيء العلم و المعرفة..
الانسان .. منذ أن كان يصطاد أخية و يأكلة نيئا .. حتي أصبح يطلق علية القنابل و الصواريخ فيحرق الملايين لم يتخلص من وحشيتة ..
وهو لن يفعل .. و لكنه في خيالاته وأحلامة .. يتصور أن في مكان ما في التاريخ او المستقبل .. في الكون المرئي أو المجهول قد يجد السلام والحياة التي لا تحتاج أن يدمر من أجل إستمرارها كائنات أخرى لها حق الوجود حتي لو لم تكن علي وعي به
.. في أحلامة .. تصور قوى عظمي شريرة تطارده .. وأخرى مساعدة تنجده .. وظل ينسج حولها الاساطير و القصص و الروايات ويراها متجسدة .. ويصورها علي الجدران و ينحتها .. علي هيئة تماثيل .. و يدعي أنها تستجيب لسحره و طقوسة وبخوره وتراتيلة ..
و يتناقل الابناء المعجزات التي رواها الاجداد .. و تتشكل ثقافة غيبية مبنية علي قدرات متخيلة إعجازية.. لكائنات متنوعة .. قد ترى صورا لها علي جدران مقابر بني حسن أو بين أروقة معابد بابل و اشور ..أو في حواديت إلياذة هوميروس الاغريق .. أو في عبادات الانكا و أبناء أستراليا الاصليين ..
بين الهمج و المتوحشين .. وبين العقلاء و المفكرين .. ملايين القصص و الحواديت التي إختصرت تأملات العقل البشرى .. في بناءة الفوقي.. المبني علي الخوف و الفزع و الرغبة في مواجهة المجهول .
علي أرض وادى النيل عشنا مأساة فجر الوعي البشرى .. و تزييف الاجداد للتواريخ و الأحداث ..التي جعلت من الملك (أوزيريس) حاكم الوادى و الزرع ايقونة للتجدد .. تصارع أخية ملك الصحارى العادي المعادى (ست )..
لقد صدق المصرى و أمن بأن اوزيريس قد تم تقطيعة .. ونثرت جثته في محافظات الوادى وان زوجته إيزيس و أختها نفتيس .. جمعا الشتات .. و نفخ فيها رع من روحه ليعود ملكا علي عالم سفلي يرحب فية بمن تنتهي حياته علي الارض و كان صالحا .
حواديت الحياة و الموت و التجدد ..الثواب و العقاب في عالم أخر غير دنيانا أصابها ما أصاب الوادى مع كل غزوة .. فصناع الحديد عبدة حورس صقر السماء .. عندما ..إستقروا في كوم أمبو وهزموا سكان أماكن عبادة أوزريس قدموا .. أربابا جدد سماويون ..
أولهم حورس ثم رع .. ثم أمن ..ثم أتن .. فبتاح .. الاف الاشكال المقدسة متمثلة في قرص الشمس و بحر السماء العلوى .. كانت تتبادل التواجد في المعابد و المقابر .. و تتلي عنها الاساطير و تجرى من أجلها طقوس الإسترضاء أو الخوف.
في مصر .. لم يتجه الانسان لاستخدام العقل بقدر ما تمسك بأحلام القدماء و عاش أسيرا لها يتداولها و يدافع عنها .. ويحارب من أجلها .. و يتصور أن (أمن- رع ) سوف يغنية عن المعرفة.. والتأمل في مسار الحياة
علينا أن نعترف ..أننا لم نتحرك قيد أنمله عن تصورات الاجداد منذ الاف السنين ..
نحن لازلنا غيبين .. نؤمن بأن مصائرنا ليست بيدنا .. بل مسطورة في عالم مجهول ..
و أن الحياة الدنيا معبرا لجنة حقول الاليسيان الأوزريسية حيث الحياة الابدية التي نعيش فيها كسالي نتمتع بالفراغ و الراحة .. بعد أن عانينا شقاء الدنيا وبلاويها ..
لذلك توقفنا و مازلنا متوقفون .. لم نبحر في المحيطات البعيدة للمعرفة .. و لم نتعلم أن ما توصل إلية البشر قد جاء عبر المعاناة و النجاح و الفشل
وأن كسلنا و غيبوبتنا قد جعلتنا بعيدا كل البعد عن الركب نستسلم لنمط صحراوى في السلوك .. يسطح العقول .. و يغمي العيون .. ويجعل من حياتنا تكرارا مملا تسيرة العادة و الغريزة .. كما لو كنا أسراب نحل أو مملكة نمل لا تغير أساليبها منذ بداية التاريخ .
لقد أصبحنا من أتعس شعوب الأرض.. إن لم نكن أتعسها بسبب غياب المنطق العلمي عن تفكيرنا .. و إستسلامنا لنمط حياة الغرباء . .. و تمسكنا بعدم تطويرة .
فلنطلب من الامم المتحدة أن تنشيء من أجلنا اليوم العالمي لتعاسة المصرى وليكن يوم 12 ديسمبر من كل عام
نحتفل فية بالصمت .. وإرتداء ملابس سوداء و نقيم في فجرة (مندبة مصرية) .. تخرج فيها النساء للشوارع تبكين علي ما أصابهن في مثل هذا اليوم منذ 1377 سنة .. من سبي و إغتصاب و بيع في أسواق النخاسة .ويضرب الرجال أنفسهم بالكرابيج عقابا علي عدم مقاومتهم لإستمرار التغييب .