هاني صبري - المحامي
أعلنت إثيوبيا اعتزامها القيام بالملء الثاني لسد النهضة في يوليو القادم حتى لو لم يتم التوصل لاتفاق بين مصر والسودان، وهو ما يعكس غياب الإرادة السياسية لدى إثيوبيا للتفاوض من أجل التوصل لتسوية أزمة السد.
حيث إن هذا الإجراء الإحادي من الجانب الإثيوبي يشكل تهديدا لمصر والسودان اللذان يرفضان سياسة الأمر الواقع ، ولتأثير مثل هذه الإجراءات الأحادية على الأمن والاستقرار في المنطقة.
ودعا البلدان، إثيوبيا للتوصل إلى اتفاق عادل وملزم قانونا قبل موسم الفيضان المقبل، بما يجنب المنطقة المزيد من التوتر والاحتقان.
فالأنهار الدولية ملكية مشتركة للدول المشاطئة لها، ولا يجوز بسط السيطرة عليها أو السعي لاحتكارها، بل يتعين أن توظف هذه الموارد الطبيعية لخدمة شعوب الدول التي تتقاسمها على أساس قواعد القانون الدولي.
من الواضح أن مفاوضات السد الإثيوبي لا تزال تُراوح مكانها ولا يوجد أي جديد حتى الآن من شأنه أن يؤدي إلى حل نهائي لهذه الأزمة، ولا يمكن استمرار عملية التفاوض إلى ما لا نهاية.
حَيْث أمضت مصر عقدا كاملا في مفاوضات مضنية للتوصل لاتفاق عادل ومتوازن يحقق لإثيوبيا أهدافها التنموية، ويحد في الوقت ذاته من الأضرار المائية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية لهذا السد على مصر، ولكن للاسف الشديد هناك تعنت من جانب إثيوبيا للإضرار بمصر بالمخالفة للقوانين ولكافة الالتزامات الدولية، ويتنافى ذلك أيضاً مع اتفاق إعلان المبادئ الذي تم توقيعه من قبل رؤساء الدول الثلاث في مارس 2015 والذي ينص على ضرورة اتفاق الدول الثلاث حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، ويلزم إثيوبيا بعدم إحداث ضرر جسيم لدولتي المصب.
منذ اللحظات الأولى للأزمة وحتي وقتنا هذا ومصر لم تتخلي عن خيار التفاوض احتراماً العلاقات التاريخية بين القاهرة وأديس أبابا، ولابُد من الحِفاظ على حصّة مِصر المائيّة كاملة لأنّ مِصر التي زاد عدد سُكّانها عن أكثر من 100 مليون نسمة تحتاج إلى حصصٍ مياه أكبر، وليس تقليصها، فمياه النيل تكفي الجميع، وبدون اتفاق لن يربح أحد، ويجب علي إثيوبيا احترام الوسطاء واحترام القانون الدولي والالتزام بتعهداتها الدولية.
أن الدولة المصرية علي أتم الاستعداد للمحافظة علي الحقوق التاريخية لها في مياه نهر النيل، ويجب عدم المساس بحصتها المنصوص عليها في اتفاقات دولية أبرزها اتفاقية نوفمبر 1959م والتي حددت حصة مصر من مياه النيل بـ55.5 مليار متر مكعب سنوياً.
وأن الحقوق التاريخية من المبادئ المستقرة في القانون الدولي لتنظيم التعامل بين الدول على الأنهار المشتركة، حيث أكدت عليه على سبيل المثال كل من قواعد هلسنكى 1966م في مادتها الخامسة، واتفاقية قانون الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية التي أقرته الأمم المتحدة لعام 1997م فى مادتها السادسة، وقواعد برلين 2004م فى مادتها الثالثة عشرة.
كما جرى القضاء الدولى والقضاء فى الدول الاتحادية على الأخذ به، سواء فيما يتعلق باكتساب الإقليم والسيادة عليه (فى البر والبحر)، أو فيما يتعلق بحقوق الاستخدام والاستغلال، ما دامت قد توافرت فيه شروط الظهور وطول المدة وعدم اعتراض ذوى المصلحة.
ومن حق الدولة المصرية المحافظة علي حقوقها التاريخية في مياه النيل وحقوقها ثابتة وفقاً للقانون الدولي والقوانين ذات الصِّلة، ومعاهدة جنيف لعام ١٩٢٣م، وحقنا ثابت أيضاً بكافة الاتفاقيات الدولية التي أبرمتها مصر مع دول حوض النيل.
لابد من ضرورة التدخل الدولي بشكل عاجل وسريع من أجل تبني عملية وساطة جديدة لاستئناف المفاوضات، ولا يزال التفاوض هي الخيار الأول لدولتي المصب حفاظًا على الاستقرار الإقليمي، مع أهمية تفعيل المقترح السوداني بشأن وساطة الرباعية الدولية، وتعزيز جهود الاتحاد الأفريقي وصولا لاتفاق قانوني ملزم ومرض للأطراف الثلاثة، بالإضافة إلى الأخذ في الاعتبار أن جولات التفاوض السابقة التي كانت قد وصلت إلى نتائج متقدمة تم رفضها كلها من جانب إثيوبيا، وخاصة اتفاق واشنطن الذي وقّعت عليه مصر بالأحرف الأولى في نهاية فبراير 2020 وغابت إثيوبيا عن المشاركة في هذا الاجتماع.
لذلك يجب التوصل لاتفاق قانوني ملزم لكل الأطراف الثلاثة قبل موسم الفيضان المقبل حول ملء وتشغيل السد وفقاً للقانون الدولي، وطبقًا لما نص عليه إعلان المبادئ الملزم للدول الثلاث.
مصر هبة النيل، ونهْـر النيل بالنّسبة لها مسألة حياة أو موت وقضية أمْـن قومي، فهي أزمة وجود وحياة ترتبط بمصير ومستقبل أجيال قادمة وعندما نتحدث عن أزمة وجود فإن كافة الخيارات تصبح متاحة..
ولَم ولن تتنازل مصر عن حصتها وعن حقوقها فيه ، ومن حقها الدفاع علي أمنها القوميّ والمائيّ بكافة الوسائل الممكنة ، وفي تلك الأزمة كل المصريين علي قلب رجل واحد لحماية حقوقهم المشروعة في مياه النيل شريان الحياة لكل المصريين.