يوسف سيدهم
استعرضت الأسبوع الماضي المعطيات المرتبطة بفيروس كورونا وانتشاره ثم نجاح المعامل العالمية في فك شفرته واستنباط اللقاحات الواقية منه, وما ترتب علي ذلك من استنفار دولي وتكالب للحصول علي الكميات اللازمة من اللقاحات لتطعيم الشعوب, وهو تكالب لايزال يصب في مصلحة شعوب الدول المنتجة للقاحات ومن بعدها شعوب الدول الأكثر نفوذا وثراء, لتبقي شعوب الدول الأضعف والأفقر متروكة تشغل ذيل القائمة… وذلك بالرغم من تحذير منظمة الصحة العالمية من خطورة التمييز في الحصول علي اللقاح بين القادر وغير القادر, وبين الغني والفقير, لأن خلاص البشرية من كورونا لن يتأتي إلا بضمان عدم وجود بؤر تعاني من تفشيه.
وامتد استعراضي للواقع الذي نعيشه إلي تناول الفئات التي حددتها وتكاد تكون أجمعت عليها دول العالم باعتبارها الفئات ذات الأولوية في الحصول علي اللقاح, وفي مقدمتها سائر الأطقم الطبية وأطقم الرعاية الصحية التي يطلق عليها الجيش الأبيض ومن بعدها كبار السن ومن بعدها أصحاب الأمراض المزمنة, ثم تأتي تباعا باقي شرائح المجتمع استيفاء لسياسات حماية وتحصين الأكثر عرضة للإصابة أولا والتدرج بعد ذلك إلي الفئات التي تليهم في ارتفاع احتمالات الإصابة.
لكن في نهاية مقالي الماضي أشرت إلي ظهور معايير جديدة علي المسرح العالمي تتحدث عن أن كثيرا من الدول تدرس حاليا اعتماد آلية لا تسمح للقادمين إليها بالدخول إلا إذا أثبتوا تمام حصولهم علي اللقاح الواقي من كورونا قبل وصولهم بفترة كافية تضمن تجاوزهم الأعراض الجانبية وتمتعهم بالمناعة… وفي هذا الصدد بدأ ترديد اللجوء إلي إصدار وثائق سفر خضراء ـ إشارة إلي السماح بالمرور ـ يحملها المسافر بالإضافة إلي جواز سفره الأصلي ويطلق عليها جواز سفر كورونا وبموجبها يحصل علي تأشيرة الدخول إلي هذه الدول وحرية التنقل بينها.
هذه التقنية من شأنها أن تحل محل التدابير الاحترازية السائدة حاليا من تطبيق العزل الإجباري واختبارات السلامة التي كانت ولاتزال سائدة عبر منافذ دخول معظم دول العالم علي أثر اجتياح كورونا… كما أنها تطلق جرس إنذار مؤداه أن أولويات الحصول علي اللقاحات من الجيش الأبيض إلي كبار السن إلي أصحاب الأمراض المزمنة, هي أولويات ملزمة داخل الدول وبين شعوبها, بحيث تترك لمن هم خارج تلك الأولويات حرية تدبر أمرهم بشأن الحصول علي اللقاح, أوالتريث أو الانتظار أو التأجيل أو الرفض تبعا لسائر التحفظات والتوجسات المثارة والتي تأتي في مقدمتها الرغبة في معرفة الآثار الجانبية بعيدة المدي للقاحات… لكن مع إطلاق تقنية جواز سفر كورونا لن يعفي أحد ممن تقتضي ظروفهم السفر أو يرغبون في التنقل خارج بلادهم من الخضوع لتعاطي اللقاح, يستوي في ذلك جميع المهن والحرف والتخصصات, ويستوي صغار السن, مع كبار السن كما يستوي الأصحاء مع أصحاب الأمراض المزمنة.
ففي هذا الصدد أبرزت الدول التي تدرس تطبيق جواز سفر كورونا أنه سيكون ملزما لسائر رجال الأعمال الذين يسافرون لمباشرة أعمالهم ومصالحهم, كما سيكون ملزما لجميع السائحين المتجهين إلي المقاصد السياحية حول العالم, أيضا سيكون ملزما لكافة الرياضيين والفرق الرياضية سواء التي تمثل أندية أو التي تمثل دولا لدي تنقلها للمشاركة في البطولات أو الدورات أو المنافسات الإقليمية والقارية والعالمية… يضاف علي ذلك أن هناك من الدول التي أعلنت أن البطاقة الخضراء المماثلة لجواز سفر كورونا سوف تصدر لمن تم تعاطيهم اللقاحات لتسمح لهم بالدخول إلي سائر أماكن التجمعات ومنها الصالات الرياضية والحفلات الموسيقية والفنادق والقري السياحية والمعارض والمؤتمرات والمهرجانات وغير ذلك من قائمة طويلة تضم المقاصد التي تستقطب المجموعات.
وكما أعلن في هذا الصدد, فإن شركات الطيران العالمية تترقب بدء إصدار جوزات السفر الصحية الرقمية التي اتخذت اسم جوازات سفر كورونا والتي ستكون معتمدة من جانب الاتحاد الدولي للنقل الجوي وبالتعاون مع الحكومات والوكالات الدولية, باعتبار أن تطبيق تلك السياسات من شأنه أن يضمن كفاءة أكبر لفحوصات الوثائق الصحية فضلا عن أنه سيعمل علي تسريع تعافي قطاع السفر والسياحة والتنقل بين الدول.
إذا.. لم يعد الأمر مقصورا علي قرار كل مواطن وكيف يتدبر أمره بشأن تعاطي اللقاح بناء علي موقعه في قوائم الأولويات داخل بلده والمحاذير التي يفضل اتخاذها, هذا يسري فقط علي كل من يبقي داخل بلده ولا يغادرها إلي بلد آخر لأي سبب من الأسباب التي ذكرتها عاليه ـ وطالما لا تستجد سياسات أو قرارات جديدة داخل بلده تلزمه بتعاطي اللقاح ـ ولكن إذا اقتضت ظروف ذلك المواطن عبور حدود بلده إلي بلد آخر فإن الشواهد تشير إلي أن حريته في تدبر أمره بخصوص تعاطي لقاح كورونا سوف تكون مرهونة بحمله جواز سفر كورونا.