الأب أثناسيوس حنين
(ما زلزلت مصر من كيد أريد بها ....................لكنها رقصت من عدلكم طربا
يربط العرب ربطا محكما بين النفاق والنفق أى الموت حينما نقول "نفقت الدابة"  أي ماتت موتا شنيعا  ونافق فى الدين هو من "ستر كفره وأظهر ايمانه "(راجع القاموس المحيط -دار المعرفة -بيروت ’ عام 2007 ’ باب نفق " ص.1305 " والشئ اللافت أن النفاق لم يقتصر ’ عبر العصور ’ اللافت ان مرض النفاق لم يقتصر فقط على العامة والسذج بل أصاب المثقفين والفاهمين والنخبة من كل حدب وصوب . ولقد أعجبتنى قصة قصيرة فى صفحة من صفحات الوطن وهى تظهر أن مرض نفاق المثقفين وتملقهم لكل سلطة أدينية كانت أو دنيوية ’هو مرض قديم الأيام وبالرغم من التقدم الطبى الهائل لا يوجد دواء سحرى وترياق لهذا الداء ! أنه مرض عضال ’ كالسرطان الثقافى ’ اذا ما انتشر فى جسد وطن بلا مناعة ثقافية وصحة اجتماعية  .’ لا يترك أخضر ولا يابس الا ويلتهمه . نقول القصة وهى حقيقية من التراث المصرى

 (حدث أن وقع زلزال كبير فى مصر فى زمن المماليك (لم ابحث في تاريخ الزلزال بسبب من كسلى العقلى !)’ وتوافد الناس من كل حدب وصوب على دار الأمير يقدمون العون والمدد والعزاء ’ ومنهم من قال قولا سديدا فى سبب وأضرار الزلزال العلمية حسب معطيات العلوم وقتها ’ وكيفية اتقاء شره وهناك من الاخصائيين في الصحة العامة من عرضوا خدماتهم لتضميد جراح المصريين وهناك من عرض ان يذهب لكى يشجع ويعزى الناس ويخبرهم  عن عناية الله وحبه لهم وان الذى بارك شعب مصر قديما لا يمكن ان يلعنه حديثا ويسحب بركته !الله غير جلاب للشرور بل هي ظواهر طبيعية .. وهناك من أصحاب العمائم الكبيرة والصغيرة ’ مسيحيين ومسلمين ’ من تطوع للأفتاء عن دور الله والسماء في ما يصيب الانسان والأرض من بلايا  لكى يتركوا خطاياهم ويعودوا اليه (بالعافية ! ربنا هو الفتوة بتاع الحارة اللى بيتوب الناس بالسنجة والبونية الحديد) بلا أية دراية وبلا أخذ بالأسباب وتاريخية الوحى ودور مصلحة الشعب في التفسيرات والـتأويلات اللاهوتية عند المسيحيين والفقهية عند المسلمين ’ وجلهم علماء ! .المهم.

وبينما القوم في حوار ونقاش وما أعمق وما أصدق وما أصرح وقد لملمت الكارثة شتات شملهم ! يدلى كل ذي علم فيه بدلوه . وبينما الناس في الشوارع ينوحون ويبكون على قتلاهم وخراب بيوتهم ودمار ما بقى من خيرات هذه الدنيا .فجأة  ...فجأة نكرر ’ ما دول أي المنافقين عاملين زى زوار الفجر بتوع العهد البائد’ يأتوا فجعة  !  دخل شاعر مثقف ’ فصيح ’ قارئ  ولكنه منافق أي لا يقرأ علامات الزمان وتغير العهود والعقليات ونزول أعزاء عن الكراسى وجلوس المتواضعين ’ بل لا يرى الا نفسه !هو المركز والقبلة والمذبح !هو أله لا شريك له ! يحمل في جعبته خطابا نفاقيا منمقا يصلح لكل زمان ومكان . وانبرى بلغة وفصاحة كبيرة أخرست قول كل خطيب أيا كان انتمائه  .وقال قولا صار مرجعا لكل مثقف منافق ينفق صحته وماله على الانفاق على نفاق كل سلطة دينية أو دنيوية الا أن ينفق كالدابة !قال الشاعر المنافق :

"ما زلزلت مصر من كيد أريد بها...ولكنها رقصت من عدلكم طربا"

 والمعنى الذى في بطن المثقف المنافق والفصيح الهمام هو أن مصر محروسة أبدا ’ وهذا ما يرجوه كل مصري صادق ’ويذهب الى تفسير دينى للزلزال وهو أنه (كيد) والكيد  وحسب المعجم الوسيط .القاهرة 1960 ص   807. هو (إرادة مضرة الغير خفية وهو من الخلق :الحبلة السيئة ’(هل يقول ان الانسان ولد كيادا ! ) وهو من الله : التدبير بالحق لمجازاة أعمال الخلق . وفى التنزيل العزيز "أنهم يكيدون كيدا . وأكيد كيدا ".أى أن التراث العربى ينسب الى الله الكيد وينعت الانسان بأنه قد خلق (بضم الخاء وكسر الحاء وفتح الميم) كيادا !والله أعلم !.و بالرغم من أن الزلزال هو  ظاهرة طبيعية تصيب أكبر حضارات العالم وقد عشنا في الشهر الماضى’ وفى عز شراسة الوباء ’ زلزالا كبيرا في اليونان شرد عائلات وخرب زراعات ويأتم أطفال . لم يمنع هذا بعض الوعاظ اليونانيين المفوهيين بأن يدعوا الناس الى التوبة حتى يرفع الله غضبه عنهم ! المشكلة ليست في الصلاة والتوبة بل في (غضب الله  وحبه في الانتقام والتشفى ). شاعر الغبرة ومن يسير على شاكلته الغبراء يرون في الزلزال وغيره من الظواهر الطبيعية غضبا الهيا وكيدا سماويا ! ومكيدة ومؤامرة على مصير المحروسة . ولكن ’ يستمر شاعرنا ’ وبالرغم من ما جلب الزلزال من خراب ودمار وما سبب من مأسى وبينما العلماء يبحثون سببا ’والعوام ينوحون كمدا ’ الا أن مصر’ في عيون صديقنا المنافق ’  ترقص طربا نتيجة لما تتمتع به من عدل الحاكم !!!. يبقى في هذه العجالة أن كلمة (نفاق ) تأتى من الفعل اليوناني
Υποκρίνω -Υποκρίση – Υποκρισία

والفعل مثل كل كلمة يونانية قديمة يتكون من مقطعين ’ الأول هو (ايبو) أي تحت ومن سكن منا في اليونان في (الايبيجيو) يعرف أنه البدوم أي تحت الأرض ’ والمقطع الثانى هو ((كرينوا) أي أحكم وأقرر وأدين . يصير المعنى ( أن أحكم على الأمور من تحت لتحت مع الصراصير والزواحف ) أي في الخفاء بلا وجه وبلا حضور وربما باسم مستعار وقناع .يبدوا لى ان المنافق العالم العقيم هو الزوان الذى ينمو بجوار الحنطة الفهيمة والخصيبة. السيد لم يأمرنا في مثل الحنطة والزوان بقطع الزوان أي بإعدام المنافقين ’ بل اعتبره ان زرع الزؤأن هو  عمل العدو وامرنا بان نتركهم ينميان معا الى اليوم الذى يقوم المنافق الزؤان والزانى فكريا بشنق نفسه بنفس حبل نفاقه .هل من حوار ممكن بين الحنطة والزوان وهو معا على طريق عمواس ؟’ هل من تماس بين النفاق والصدق ’ بين العلم والجهل ’ بين التفكير والتكفير ’بين اللاهوت والهرطقات أي بين علماء الأمة وعوامها ؟ في هذا لنا وقفة مع مثل الحنطة والزؤان وتأويلاته المتعددة .صوم مبارك