الخميس ٢ اغسطس ٢٠١٢ -
٢٩:
١١ ص +02:00 EET
إذا كانت الحرية هي تاج الدولة الحديثة، فإن حرية العقيدة هي درة هذا التاج، وأي اعتداء عليها أو انتقاص من قدرها يعتبر انتقاصا من قدر ومكانة الدولة في المجتمع الدولي.
واليوم تتعرض الحرية في مصر إلى محنة حقيقية، فلم تعد التنظيمات الفاشية المتأسلمة تتجمل أو تخفي عداءها السافر والصريح لمبدأ حرية العقيدة، الأمر الذي تجلى في النصوص المقترحة لمواد الدستور، حتى أننا يمكن أن نختصر المشهد الراهن على مسرح الفترة الإنتقالية بأنه محاولة لاختطاف الدولة المصرية من خلال مصادرة حريات مواطنيها وتحويلهم إلى أفراد في قطيع لا يملكون من أمر أنفسهم شيئا.
ولم تعد ثقافة العداء لحرية الإنسان تقتصر على عصابات الإسلام السياسي وحدها بل وجدت طريقها إلى نفر من الذين يحسبون على الفكر والإبداع، فراحوا يباركون وأد الحريات بحجج واهية تفتقر إلى أي أساس قانوني أو معرفي.
فالشاعر الثوري عبد الرحمن يوسف "القرضاوي" يدعو صراحة إلى مصادرة حرية العقيدة وحرية الرأي والتعبير والإبداع فيقول في مقال له باليوم السابع "أغلق باب بيتك، واعبد ما شئت، واكفر بما شئت، ولكن من حق المجتمع والدولة أن تتخذ جميع "الإجراءات" حين تكتب مقالة، أو تنتج فيلما، أو تؤلف رواية، أو تبدع قصيدة، أو تؤسس حزبا.. طبقا لهذا المعتقد الدخيل على الوطن".
الشاعر الثوري يطالب دون أن يجفل له رمش بدولة دينية بوليسية مستبدة تطلق كلابها "إجراءاتها" على أصحاب العقائد المخالفة والمفكرين والمبدعين والكتاب إن تجرأ أحدهم وصدح بما لا يرضي الطغمة الدينية الحاكمة.
ثم يتمادى هذا "الشاب" ليرتدي مسوح معلم الأجيال ويعطينا ويعطي العالم كله دروسا في معنى الحرية، فيقول لا فض فوه "البعض يخلط بين حرية الاعتقاد، وبين حرية الدعوة والتبشير بمعتقد ما" أي أنه يتكرم علينا ويمنحنا حق الإيمان بما نشاء ويسحب منا حق الإعلان عما نؤمن به والدعوة له مخالفا بذلك أبسط حقوق الإنسان التي أقرها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته الثامنة عشرة التي تقول "لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة"، ومادته التاسعة عشرة التي تؤكد حق الإنسان في "حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية".
ولا يجد الشاب الثوري ما يدعم به دعوته الفاشية سوى حجة واهية عفا عليها الزمن منذ سقوط الحكم الكنسي في أوروبا وهي أن إطلاق حرية العقيدة "قد يسبب تمزقا فى نسيج المجتمع"، فقد كانت الكنيسة في العصور الوسطى لا ترى في التعددية الدينية والمذهبية والفكرية نعمة تثري المجتمع، بل شرا مستطيرا يؤدي لتمزيق المجتمع وينبغي مقاومته والحد منه تحقيقا للنقاء الديني، الفكرة التي قادت إلى تشكيل محاكم التفتيش لاحقا.
إن نسيج المجتمع لا يصاب بسوء إلا إذا حاولت مجموعة من أبنائه صغرت أم كبرت احتكار السلطة أو الثروة أو التحدث باسم الخالق، وإذا نظرنا حولنا سنجد أن المجتمعات التي وضعت قيودا على الحريات هي التي تمزقت وغرقت في الصراعات والحروب وانقسمت، أما المجتمعات التي يتمتع أبناءها بحقوق متساوية في الإعتقاد والتعبير والدعوة هي التي استطاعت العيش في سلام اجتماعي وتحقيق نهضة حقيقية وبناء دولا قوية توفر مستوى لائق من الرفاهية لجميع أبنائها.