قررت بعض البلدان تعليق استخدام لقاح أكسفورد-أسترازينيكا عقب انتشار تقارير عن تعرض بعض الناس الذين حصلوا عليه لجلطات.
لكن هل يتعلق الموضوع بالمغالاة في الحذر؟ هل ترى هذه الحكومات الصورة الكاملة بوضوح؟.
اتخذ القرار من باب زيادة الاحتياط، واعتمادا على مبدأ راسخ في العلم والطب يؤكد على ضرورة تجميد إجراء معين لحين إجراء تحقيق مستوف في حال ثارت شكوك حوله.
لكن في حالة وباء ينتشر بسرعة حيث قد يكون لأي قرار يتخذ نتائج خطيرة فإن اتباع هذا المبدأ قد يجلب أضرارا أكثر من الفوائد.
سبب أم مصادفة؟
يتضح من البيانات التي قدمتها أسترازينيكا أنه كانت هناك 37 حالة حدوث تجلط في الدم بين 17 مليون شخص تلقوا اللقاح.
لكن السؤال الجوهري الذي تم طرحه هو ما إذا كان اللقاح هو الذي سبب تخثر الدم أم كان ذلك مصادفة؟ هل كانت حالات تخثر الدم تلك ستحصل بمعزل عن اللقاح؟.
في العادة تجري مراقبة أي أحداث مهمة كتلك بعناية، حتى يتم فحص ما إذا كان معدل حدوثها أعلى من المعتاد.
التقارير عن وقوع 17 جلطة أقل من المتوقع. وما هو أهم من ذلك، ليس هناك تفسير مقنع لتسبب اللقاح بجلطات.
لهذا السبب قالت هيئة ترخيص الأدوية في المملكة المتحدة ومنطمة الصحة العالمية إنه لا دليل على وجود صلة بين الأمرين.
لقاح فيروس كورونا: هل هو آمن وكيف تحدد سلامته؟
لقاح فيروس كورونا: موافقة بريطانيا على لقاح أكسفورد-أسترا زينيكا، وتوقعات بفعاليته ضد السلالة الجديدة
حتى وكالة الأدوية الأوروبية التي تفحص التقارير اقترحت الاستمرار في إعطاء اللقاح بالنظر إلى الخطر الذي يشكله انتشار الفيروس على الصحة، ولذلك تسبب قرار بعض الحكومات بإيقاف استخدام اللقاح بصدمة للخبراء.
ويقول بروفيسور آدم فن، عضو فريق منظمة الصحة العالمية العامل في حقل اللقاحات المضادة لكوفيد، إن التوقف عن حملة اللقاحات بهذا الشكل غير مستحب بالمرة وقد يقوض الثقة باللقاح ويدفع البعض الثمن من حياتهم على المدى الطويل.
وأضاف "اتخاذ القرار المناسب في وضع كهذا ليس سهلا لكن ما نحتاجه على الأغلب هو ألا نفقد السيطرة على الأمور".
هل لدى أوروبا مشكلة مع هذا اللقاح؟
هذه ليست المرة الأولى التي تعاملت فيها بلدان في أوروبا بحذر مع لقاح أسترازينيكا.
كانت ألمانيا وفرنسا ودول أخرى قد تبنت موقفا حذرا في التعامل مع اللقاح المذكور حين أوصت بعدم استخدامه مع الأشخاص الذي يتجاوز سنهم الخامسة والستين.
أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فذهب إلى حد القول بأن اللقاح غير فعال تقريبا.
لقد تم التخلي عن هذا القرار لكنه تسبب بأضرار.
ستفقد ألمانيا وفرنسا كميات من اللقاح، حيث استخدم البلدان أقل من نصف لقاحات أسترازينيكا المتوفرة لديها وأصبحا يعتمدان بشكل أكبر على لقاح فايزر من المملكة المتحدة.
ويهدد هذا بعواقب قاتلة. ستكون هناك معدلات إصابة أعلى بكثير في فرنسا وألمانيا وبعض الدول الأوروبية الأخرى من المملكة المتحدة، وتواجه احتمال تأزم الأمور قبل بدأها بالتحسن.
لو تأملنا في القرار المتعلق بمن هم فوق الخامسة والستين نستطيع أن نرى كيف اتخذ. كانت هناك أدلة محدودة حول إعطاء اللقاح للمسنين.
وكان المنظمون يريدون أن يستميلوا شبانا للمشاركة في التجارب في المراحل الأولى لأسباب تتعلق بالسلامة، لذلك حين قامت أجهزة ترخيص اللقاح بتقييم نسبة الإصابات لم تكن البيانات المتعلقة بكبار السن جاهزة بعد.
لكن كانت هناك أدلة من عينات الدم أن اللقاح حفز استجابة مناعية قوية لدى كبار السن. لذلك ليس هناك ما يدعو لافتراض أنه غير صالح لتلك الفئات العمرية. كل ما في الأمر أن الوقت لم يكن كافيا لجمع أدلة من العالم الفعلي.
كانت هناك أيضا مشكلة في تفسير النتائج بسبب طريقة إجراء التجارب. وكان هناك غياب للترابط في المراكز المختلفة لإجراء التجارب، وقد استخدمت بروتوكولات مختلفة من موقع لآخر واتبعت أساليب مختلفة.
البعض وصفها بأنها أربع تجارب في واحدة. وهذا خلق فوضى في البيانات التي يجب تحليلها.
لماذا يعتبر القرار الشجاع هو الأفضل؟
لم تلتفت المملكة المتحدة إلى كل هذا ومضت قدما، وخلال شهور كانت هناك تقارير عن انفخاض ملحوظ في حالات الوفاة بين من هم فوق سن الثمانين.
كذلك اعتمدت المملكة المتحدة تعاملا (براغماتيا) حين قررت أن تجعل الفجوة بين جرعتي اللقاح ثلاثة شهور.
وأثار هذا الكثير من الجدل حين إعلانه في نهاية شهر ديسمبر/كانون أول.
ولم يفحص لقاح فايزر بهذه الطريقة خلال التجارب، وكانت الفجوة ثلاثة أسابيع.
لكن غياب الأدلة لا يعني عدم إمكانية اتباع المنهج أو أنه غير منطقي.
اعتمدت أسترازينيكا فجوات زمانية أوسع في تجاربها مع بعض المشاركين فيها، وتوصلت أن اللقاح يكون أقوى تأثيرا في حال ترك فجوة زمانية أطول بين الجرعتين.
أما التجارب التي أجريت على لقاح مودرنا وهو نمط مشابه للقاح فايزر، فقد أثبتت بدورها أنه يمكن اعتماد الفجوة الأطول بين الجرعتين.
ومن المعروف أنه في حال اللقاحات التي تعطى في جرعتين فإن الجرعة الأولى تمنح القدر الأكبر من الوقاية بينما تستخدم الجرعة الثانية لتعزيز أثر اللقاح.
ومع الانتشار السريع للوباء في المملكة المتحدة في ذلك الوقت اتخذ قرار إعطاء اللقاح لأكبر عدد من الأشخاص في أقصر وقت وتأمين قدر من الحماية لهم، حتى لو لم تتوفر أدلة كافية من التجارب.
ويقول بروفيسور سير ديفيد سبيغلهالتر ، وهو خبير في فهم المخاطر في جامعة كامبريدج، إن ما اتضح الآن أن علينا أحيانا النظر أبعد من مبدأ الحرص وأن تتخذ القرارات بشجاعة.
ويتطلب الحرص ألا تتخذ خطوات معينة كوسيلة لتقليل المخاطر المحتملة، لكن هذه ليست أوقاتا عادية وقد يترتب على عدم اتخاذ خطوات نتائج وخيمة.
المطلوب في ظروف كهذه ، وفقا لسير ديفيد، أن ندرس ما هو الأكثر احتمالا. هذا يتطلب النظر إلى الأدلة المباشرة وغير المباشرة والسياق الذي تتخذ فيه القرارات.
"أحيانا قد يكون الانتظار للتأكد من الأمور خطيرا. عدم إعطاء اللقاح للناس سيكون ثمنه حياة البعض".