بقلم: يوسف سيدهم
في مثل هذا الوقت من العام الماضي كان العالم يعمه الرعب من جراء انتشار فيروس كورونا ذلك الوباء المجهول الفتاك الذي اجتاح سائر الدول مختطفا حياة مئات الآلاف ومصيبا الملايين… وفي غمار الإسراع باتخاذ التدابير الاحترازية في كافة الدول دخلت معامل الأبحاث العالمية في سباق هستيري نحو محاولة عزل الفيروس وفك شفرته من أجل بدء استنباط العلاج الشافي منه للمصابين واللقاح الواقي منه لغير المصابين… وقتها تعلقت الأفئدة بأمل نجاح المعامل في مساعيها وكان الأمل الذي يداعب الجميع أن يتمكنوا من الحصول علي العلاج أو اللقاح في أول فرصة سواء للتعافي أو للحصانة, وتحدث الكافة عن التجارب الإنسانية السابقة -عبر أكثر من قرن من الزمان- في محاربة الأوبئة التي اجتاحت العالم وحصدت حياة عشرات الملايين ونشرت الهلع عبر المسكونة قبل أن يسيطر عليها العلماء ويقدموا العلاجات واللقاحات المضادة لها, حتي أنها باتت إما ذكري مثل أوبئة الطاعون والملاريا والكوليرا.. وغيرها, أو تحولت إلي واقع غير مخيف يتردد ويتحور بشكل موسمي مثل فيروس الإنفلونزا ويتم التعامل معه علميا برصده وتطوير علاجه ولقاحه والحد من قدرته علي الفتك بالبشرية.
مضي العام الماضي 2020 ثقيلا كئيبا في انتظار الكشف عن نتائج سباقات المعامل العالمية وظهور بوادر اللقاحات المرتقبة, وقبل أن ينقضي العام كان عدد محدود منها قد اجتاز مراحل الاختبارات قصيرة المدي وحصل علي ما وصف بأنه اعتماد طوارئ لبدء الإنتاج والتوزيع, وأعلنت منظمة الصحة العالمية أن اجتياح كورونا وحصيلة كل من الضحايا والإصابات لا يتيح ترف رصد وتسجيل نتائج الاختبارات طويلة المدي -والتي تستمر قرابة العامين- وبالتالي فالأمر متروك لكافة الدول لتدبير أمرها إزاء خطط إعطاء شعوبها اللقاح الواقي من كورونا وتحديد الشرائح الأولي بذلك والشرائح التي تليها تباعا.
ولم تنفصل مصر عن جميع تلك الجهود وسارت سياسات وزارة الصحة المصرية علي نفس النهج المعتمد من منظمة الصحة العالمية من حتمية تطعيم الجيش الأبيض أولا وهو ما يضم سائر العاملين في الأجهزة الطبية والمستشفيات والمؤسسات العلاجية باعتبارهم الفئة الأكثر عرضة للإصابة بسبب طبيعة عملهم, ومن بعد تلك الفئة تجيء فئة كبار السن ثم المواطنين أصحاب الأمراض المزمنة -وخاصة أمراض المناعة- وتتوالي الفئات بعد ذلك تحقيقا للهدف الأسمي وهو تحصين كل الشعب تبعا لمعدلات توافر اللقاحات وقدرة الدولة المصرية علي توفيرها في ظل المنافسة العالمية الشرسة للحصول عليها من جانب الدول المنتجة والدول الأكثر ثراء.
أعلنت وزارة الصحة المصرية بداية هذا الشهر عن فتح الباب لتلقي المواطنين اللقاح من خلال التسجيل علي الموقع الإلكتروني المخصص لذلك وهو www.egycovae.mohp.gov.eg بحيث يتم تقسيم الفئات المستحقة إلي ثلاث مجموعات طبقا للأولويات المعلنة, وبدأ التسجيل من جانب المواطنين, لكن الأمر الشديد الغرابة أن مؤشرات الإقبال علي التسجيل للحصول علي اللقاح ماتزال أقل كثيرا من المتوقع وتعكس تردد -ولا أقول عدم ثقة- الكثيرين… واستمر التساؤل مسيطرا علي الحوار والجدل المحتدم علي كافة الأصعدة وإن كان يرتدي ثوبا جديدا.. فبعد أن كان: هل ستأخذ اللقاح؟ تطور إلي: هل قمت بالتسجيل علي الموقع الإلكتروني؟… ومن الواضح لي شخصيا بناء علي معظم المناقشات التي كنت طرفا فيها أن هناك مزاجا عاما يعكس شكوكا ومخاوف إزاء الآثار الجانبية للقاحات, ولم تفلح جهود وزارة الصحة ولا دعوات منظمة الصحة العالمية في طمأنة هؤلاء وأولئك ولا نجحت النسب المئوية الإيجابية المرتفعة جدا لنتائج تعاطي اللقاحات علي المدي القصير من تخليصهم من توجساتهم إزاء أي نتائج غير منظورة علي المدي البعيد.
وبطبيعة الحال يجب أن نعترف أن للإعلام دورا مؤثرا في هذا اللغط -حتي وإن لم يكن مقصودا- فقد تابع الملايين عبر البرامج التحقيقية والحوارية التي قدمتها سائر الفضائيات المحلية والأجنبية كيف اختلف الخبراء والأطباء والمتخصصون حول مدي إلحاح تعاطي اللقاح وكيف انقسموا بين من يرفضون تعاطيه ومن ينصحون بضرورة تعاطيه, وبذلك تركوا المشاهدين ضحايا الارتباك والتردد ومسئولين عن اتخاذ القرار بأنفسهم, لكنهم في أحسن الأحوال ممزقون عاجزون عن الانحياز إلي من يشجع تعاطي اللقاح للتحصن ضد الفيروس أو إلي من يؤثر التروي لحين رصد آثاره الجانبية بعيدة المدي… أما المسكوت عنه والمرعب حقا فهو سلسلة الفيديوهات التي تنتشر علي منصات التواصل ويظهر فيها نفر من العلماء والباحثين المحددة شخصياتهم ودرجاتهم العلمية ومراكزهم البحثية والذين يقدمون وباء كورونا وملابسات ظهوره وانتشاره وخطط إنتاج اللقاحات المرتبطة به وحمي تطعيم شعوب العالم بها من منظور مخيف ينتمي إلي نظرية المؤامرة ويسير طبقا لسيناريوهات خطيرة مدمرة.
وسط كل ذلك من الواضح أن المواطن المصري عليه أن يتدبر أمره وأن يتخذ قراره بنفسه -علي الأقل إن لم يكن ضمن الفئات الملزمة بتعاطي اللقاح مثل الجيش الأبيض أو كبار السن أو أصحاب الأمراض المزمنة- لكن تبقي ملاحظة أخيرة سوف تفرض نفسها في هذا الصدد, وهي ما تشير إليه الأنباء عالميا عن خطط جار دراستها لقصر تصاريح السفر علي من تلقوا اللقاح ضمانا للحد من انتشار كورونا وتحوراته.. خطط تطل علينا تحت عنوان جواز سفر كورونا.. شفرة التنقل الحر.. وذلك سيكون مجال مقال قادم.