د. مينا ملاك عازر
أشتهر المصريون القدماء بأنهم بناة الأهرام مع أن لهم المئات من المباني العظيمة من معابد ومقابر أخرى، لكن كانت معجزاتهم هي بناء الأهرامات، تلك الأعجوبة التي قدموها للعالم بأثره لنقف للآن نفتخر بها، أعرف تماماً أنه يبدو للجميع أمر البناء مسألة تبعث على الفخار والاعتزاز بتاريخ الأجداد والآباء العظام وهو ما يسهل لنا الإيمان بقناعة أن البنايات العظيمة هي التي تعبر عن التقدم والعظمة، ربما هذا الذي جعل الجميع من بعدهم يهتم ببناء القلاع والحصون، ويحلمون ببقائها لتبقى شاهدة على عظمتهم، بينما الحقيقة التي يغفلها الجميع منذ نهاية عظمة الفراعنة وحتى عصر بناء الكباري الأطول والأعرض وناطحات السحاب الأعلى والأعمق والمولات الأوسع والأعرض، والمفاعلات الأغرب والأمن، والطرق الأسرع والأطول، والتحصينات الأمنع والأروع أنه لا بناء حجري بدون أساس من بناء حضاري.
يعني مثلاً بدون مهندسون متميزون وليسوا جيدين مثلا لم يكن لأحد أن يفكر في بناء الأهرام بهذه الكيفية ولا الشاكلة، ولا القوة ولا المتانة ولا السرية التي تجعلنا دائما لدينا الفضول لنكتشف ونثبر أغوار البناء الحجري.
مثل آخر بدون فلكيين ومهندسين متفوقين وليسوا متعلمون فقط، ما كان للعالم بأثره أن يقف مشدود أمام ظاهرة تعامد الشمس على وجه تمثال رمسيس الثاني داخل معبده في مواعيد معينة بدقة.
مثالاً آخر وليس أخيراً، ومن عصر مختلف، لولا مهندس عبقري أبدع وابتكر في أساليب البناء ما كنا انبهرنا للآن بعمارة وطراز بناء مسجد بن طولون.
الأمثلة كثيرة عمادها الأساسي الذي لا ريب فيه أبداً، أنه بدون بناء متميز لعقل الإنسان ما رأينا بنايات شامخة لا تحكي فقط عن من بناها وسمت باسمه فقط، ولكن والأهم عن من هندسها وأشرف على بنائها.
يا سادة بناء العقل أهم وأبقى، ويشيد البناءات العظيمة التي تعبر عن بناء حضاري وثقافي ومعماري يشهد عن حضارات وعظمة من عاصرتهم، شهادة صادقة تبقى على مر العصور لكل من يشاهدونها ويقدرونها.
نعم يا سادة، إنجازات القدماء لم تكن إلا رأس جبل الجليد الذي يشير إلا أن ثمة قاعدة ضخمة راسخة من العلم والثقافة يحميها عقول عالمة مثقفة مبدعة برعت في كل المجالات وليس مجال التشييد فحسب، ولكن نجاحاتها في الطب والصيدلة والفلك والهندسة والرياضة والأدب والاقتصاد والعلاقات الخارجية والعسكرية، ناهيك عن نجاحات هامة في تدوين وتسطير أمجادهم بما يحفظه ويليق بما فعلوه وتدوين علمهم على حجارة وفي كتب ومكتبات تحفظ هذا وذاك، لأنهم وببساطة قدروا العلم، وكما فعلوا هذا أيضا تجدهم يقدرون وهو الأهم دور المرأة مثلاً فتجد تراثهم العظيم زاخر باحترام وتقدير المرأة، وارجع للفراعنة وانظر كيف كانوا يقدرونها عن جدية وليس للتباهي ولا أدعاء ما ليس فيهم.
المختصر المفيد العلم عماد الأمم.