بقلم: هيام فاروق
حياة متلاحقة .. متعاقبة .. سريعة .. لا تخطو بهدوء .. بل تقفز قفزات سريعة دون هدنة أو تأمل أو وقفة . كل قفزة متوقفة على ما قبلها .. فإذا كانت ما قبلها خاظئة فما بعدها أيضا خاطئة .. وليس هناك خط رجعة أو رجوع إلى الخلف . لابد من مواصلة المسير
هكذا كنت أتأمل فى صباح هذا اليوم .. وبينما كنت جالسة أرتشف القهوة مع أمى الحبيبة أطال الله عمرها .. قطعت صمتى وتأملى بسؤالها لى ؟ مالك حبيبتى ؟ أراكى شاردة منذ أكثر من شهرين .. أجبتها وقد اغرورقت عينى بالدموع قائلة : لماذا لم أراكى سعيدة يا أمى ( زى زمان ) .. لماذا أرى أبنائى وزوجى غير سعداء .. وأنا أيضا غير سعيدة .. الناس فى الشارع غير سعيدة .. ليس لى رغبة فى القراءة والإطلاع ولا فى سماع أخبار ( ربما أصبت بفوبيا سماع الأخبار من كثرة خوفى من سماع ما لا يسر بصورة متتابعة توجع القلب ) .. ليس عندى رغبة فى الكلام ولا الخروج .. فقد أجدنى مضطرة لإنجاز أعمالى المنزلية فى صمت .. لا أتحدث مع أحد فى التليفون .. حتى محصل الكهرباء والغاز تجاهلت قرعهم على باب بيتى .. لم أعد أتحدث مع زوجى وأبنائى إلا بأهم المهم أو قل أقل القليل .. أشعر كأنى ألهث فى سباق وأنهيه فى نهاية اليوم وأنا غير راضية عن يومى بهذا الشكل .. لم أجد وقتا كافيا لإنجاز أشياء أحب عملها كالقراءة والدراسة والبحث عن معلومات جديدة أو تعلم لغة وخلافه .. لم تكن لى حتى رغبة فى الجلوس مع صديقة فى صحبة هادئة نتجاذب أطراف الحديث فى موضوعات شتى ..
أرى أننا اليوم نملك أغلب وسائل الرفاهية ووسائل الإتصال والتكنولوجيا فى حين كانت جدتى زمان لا تملك منها شىء على الإطلاق اللهم إلا تليفزيون أبيض واسود ساعات الإرسال به محدودة ولا يبث إلا قناتين أو ثلاث على الأكثر ..
اليوم نملك أكثر من ألفى قناة على القمر الصناعى الواحد ، ومع هذا نبحث عن المزيد .. نملك كمبيوتر وشبكات إتصال وتواصل إجتماعى على أوسع نطاق ، ونستطيع أن نتصل بأبعد نقطة فى العالم وتنتقل إلينا المعلومات والأخبار فى أقل من لمح البصر ومع هذا نشتكى الملل وانقطاع صلات الدفء العائلى والود الأسرى والصداقات الحميمة . أملك اليوم غسالة فول أوتوماتيك فى حين كانت جدتى تغسل أكوام من الملابس على أيديها بأروع من أداء أعظم غسالات اليوم .. أملك مثلا غسالة أطباق فى حين كانت جدتى تغسل أذانات كبيرة دون ضجر أو ملل .. كانت تطبخ أكثر من صنفين أو ثلاثة أصناف أو أكثر على بابور جاز وأنا اليوم أملك بوتاجاز مكون من 5 عيون وفرن كهربائى ومع هذا أكتفى بأسرع الوجبات ( وإن كان عاجب ). .أملك شتى الإلكترونيات التى توفر الوقت والجهد ومع هذا أشتكى كثرة التعب والإجهاد . كانت جدتى زمان عندها من الأبناء ما يزيد عن أربعة فما فوق ولا تضجر ولا تمل أبدا من خدمتهم .. وأنا الآن عندى ولدين أشكو كثيرا من كثرة طلباتهما التى لا تنتهى . وفى نهاية اليوم كانت تجلس جدتى وعلى وجهها إبتسامة هادئة .. وديعة .. راضية .. تستمتع بجلسة جميلة مع جدى مثلا يستمعان إلى أغانى أم كلثوم وفريد الأطرش وألحان الزمن الجميل .. وأنا الآن لم يعد عندى وقت حتى لمعرفة إسم أى مطرب يغنى بعد عمرو دياب مثلا , أذنى لا تلتقط ولم تعد قادرة على الإستمتاع بأى فن أو موسيقى .. ولم أعد أسمع سوى ضجيج ومشاحنات وصراخ وعويل ناهيك عن أبشع الألفاظ التى تنسد الآذان عن سماعها .. عيون الناس زمان كانت ترصد الربيع بتفتح أزهاره ورائحة حدائقه الجميلة .. والخريف ورصد سقوط أوراقه وهدوء إكتئابه .. والشتاء ولياليه الدافئة وجلسات الدفء الأسرى الجميل.. والصيف ومرحه وسهراته النيلية التى إستمتعت بها كثيرا أيام وجود أبى معى رحمه الله . يالها من أيام نقية جميلة .. رائعة
أستطرد حديثى مع أمى والدموع تنهمر من عينى قائلة لها .. لماذا يا أمى أنا غير سعيدة الآن ؟ لماذا لم أرى السعادة فى وجه زوجى وأبنائى .. أشعر بخروجهم عند الصباح وكأنهم ذاهبين إلى حرب ضروس أظل طوال اليوم واضعة يدى على قلبى إلى أن يعودوا وأشكر الله على رجوعهم وكأنه قد كتب لهم عمر جديد ؟ إلى متى سأظل فى هذا الفزع رغم علمى وثقتى ويقينى بأنهم فى رعاية وحماية الرب
وأخيرا أتنفس الصعداء حينما ينتهى اليوم لأنام وأبدأ يوماً جديداً بنفس شكل القديم
كنت أتنسم رائحة الحرية منذ قيام الثورة الموكوسة إياها ( 25 خساير ) .. ولكن يبدو أن الرياح تسير على عكس ما تشتهى السفن .. شوارع وطنى تكسوها أكوام القمامة بشكل مقزز .. زحام المرور تأزم بشكل يكاد يسبب إختناق نفسى وموت جسدى محقق .. إرتفاع أسعار بشكل جنونى متصاعد لم يسبق له مثيل .. أزمات أخلاقية فى الشارع المصرى حتى نكاد نُصنَف من أقبح شعوب العالم .. إرتفاع نسبة الأمية نتيجة تدنى التعليم مع إنتشار غريب لحرف الـ "د" قبل أسماء أقل ما توصف به أن عقولها فى ضحالة سلوكية عجيبة ..أغلبية جاهلة فاسدة أكثرهم علما أجهلهم بهذا الوطن وقوانينه
إرتفاع مطرد فى عدد المواليد مما يؤذم الكارثة بشكل معقد يصعب السيطرة عليه
لا أعلم إلى أين ستذهب مصر .. فأنا فى قمة الحزن على ما آآآل إليه حال وطنى وأنا أقف عاجزة عن فعل أى شىء.. أمشى فى شوارع وطنى وطرقاته وأشعر بقشعريرة وهلع .. ليس هذا وطنى . ومع هذا لم يهتز لنا ساكنا سوى مصمصة الشفاه وكأن الأمر لا يعنينا . إنتهى فنجان القهوة وأقوم لأواصل يومى الروتينى . يومكم سعيد