الأقباط متحدون - هل تدفع مصر ثمن التصفية النهائية للقضية الفلسطينية؟
أخر تحديث ١٨:٠٧ | الاثنين ٣٠ يوليو ٢٠١٢ | ٢٣ أبيب ١٧٢٨ ش | العدد ٢٨٣٧ السنة السابعة
إغلاق تصغير

هل تدفع مصر ثمن التصفية النهائية للقضية الفلسطينية؟

 بقلم: منير بشاى- لوس أنجلوس

 
الدور الذى تلعبه أمريكا، بالنسبة لما يجرى فى مصر، محير للبعض ومقلق للكثيرين. هذا الدور يعتبره البعض أنه، على أفضل الفروض، سذاجة سياسية وعلى أسوأها غباء سياسى ناتج عن عدم المقدرة على تمييز معدن الناس الذين تتعامل معهم أمريكا فى الشرق الأوسط عامة، ومصر خاصة، وتقدم لهم ما يبدو انه ثقة عمياء غير مشروطة.
 
هذا التقييم للدور الأمريكى يعتمد على  قراءة سطحية لما يجرى من حوادث تبنى على اكليشيهات جاهزة تفترض فى أمريكا انها الشيطان الأكبر، كما وصفها خومينى، أو الامبريالية المتحالفة مع الصهيونية العالمية، كما كان يصفها عبد الناصر.  وفى غمرة محاولة فهم ما يظن انه مؤامرة كبرى متشابكة ومعقدة أغفل المحللون السيناريوا البسيط السهل والواضح وهو ان تصرفات أمريكا لها هدف واحد يحكمها وهو عمل ما يصب فى مصلحتها. وهذا ما تعمله كل شعوب العالم وليس أمريكا وحدها.
 
قيل أن الادارة الأمريكية ممثلة فى وزيرة خارجيتها هيلارى كلينتون ورئيسها بارك أوباما  تتدخل فى الشئون الداخلية المصرية لصالح الاسلاميين.  وقيل انها هى التى زورت الانتخابات الأخيرة لصالح محمد مرسى، وقيل انها تضغط على المجلس الأعلى العسكرى لتسليم السلطة لجماعة الأخوان المسلمين.  وقيل أنها  تمول الأخوان بمليارات الدولارات.  وتساءل الناس هل الادارة الأمريكية من الغباء بحيث لا تفهم ان الأخوان كذبة ومخادعون وانهم يمارسون عادتهم المفضلة لخداع الأمريكان باعطائهم وعودا جوفاء لن ينفذوا منها شيئا بعد ان قبضوا الثمن مقدما؟
 
وقد ردت هيلارى كلينتون على من يقولون أن أمريكا تتدخل فى شئون مصر لتنصيب الأخوان فى الحكم ضد ارادة الشعب المصرى، ان أمريكا لا تتدخل فى الشأن المصرى ولم ترجح كفة مرشح ضد آخر ولكنها تؤيد من يأتى به الصندوق فى انتخابات حرة ونزيهة.  ولكن هذا لم يقنع أحدا وظهر رد الفعل لمشاعر الجماهير فى زيارتها الأخيرة لمصر عندما استقبلتها الجماهير الغاضبة بهتافات مهينة مثل ترديد اسم "مونيكا..مونيكا" فى اشارة الى مونيكا لاونسكى التى كان لها علاقة جنسية فاضحة هزت أمريكا مع زوج هيلارى بيل كلينتون الرئيس الأمريكى الأسبق أثناء ولايته الثانية.  وأيضا بالقاء الأحذية عليها مع الطماطم.
 
والحق يقال أن ادارة الرئيس أوباما لم تكن هى الأولى التى أجرت لقاءات مع جماعة الأخوان فقد سبقها الى ذلك الرئيس السابق جورج دبليو بوش الذى تقابل معهم مرتين على الأقل وتسبب هذا فى امتعاض مبارك من هذا التصرف فى ضوء ما كان يظنه انه رجل أمريكا المفضل فى الشرق الأوسط.  ولكن السياسة لا تعرف صداقات ولا تبنى على الاخلاص الأعمى لفرد مهما كان لأن الأفراد زائلون والمصالح تخضع لمبدأ من له المقدرة على تقديمها.  والمعروف ان مبارك كان يتقدم فى العمر ويعتريه المرض ولا بد من التفكير فى مستقبل العلاقات مع مصر فى حالة غيابه.  ولابد ان موضوع التوريث قد نوقش وتم تقييم مدى احتمال تحقيقه و قبول أو رفض الشعب المصرى له.  ومن المنطقى ايضا أن يتم عمل اتصالات مع القوى اللاعبة فى مصر، ومن هؤلاء لا شك كانت جماعة الأخوان المسلمين.  ليس هذا معناه أن أمريكا تفضل الأخوان (لسواد عيونهم) ولكنها تتعامل معهم لأنهم قوة قادرة على ان تفرض نفسها على الأرض ويتحتم على الجميع الاعتراف بوجودها.  وأمريكا تعلم هذا مقدما ولذلك لم ترد الانتظار الى أن يحدث وتضيع منها فرصة السبق السياسى للتربيط معهم فى حالة وصولهم لسدة الحكم.
 
هذا عن القراءة للامور المعلنة ولكن فى عالم السياسة يحدث كثيرا اتفاقيات وتفاهمات بين الدول والجماعات غير معلنة.  ويبدو اننا بصدد أحدها التى ظهرت مؤخرا وتشير نحو قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء واحتمال وجود صفقة يلتزم بها الأخوان فى تعاملهم مع حماس نظير موافقة أمريكا واسرائيل على صعود الأخوان للحكم وتعضيدهم متى وصلوا.
 
فقد بدأت تتكشف مؤخرا أنباء عن تعاملات غير عادية بين النظام الاخوانى الذى يحكم مصر مع شقيقه فى الايدلوجية الاخوانية نظام حماس الذى يحكم قطاع غزة حيث تمت عدة زيارات لقيادات من حماس لمصر، وقيل ان الحكومة المصرية تقدم الكهرباء والغاز والسولار والبنزين لقطاع غزة بأرخص الأثمان. هذا وفى الوقت الذى يوجد عجز لتلبية الاحتياج المحلى مما دعا البعض الى استنكار ذلك وترديد المقولة ان ما يحتاجه البيت يحرم على الجامع. ولكن يبدو ان العلاقة بين الحكومة المصرية وحماس أقوى من مجرد علاقة عادية مع دولة عربية أخرى فقد تردد ان مصر قررت فتح معبر رفح لمدة 12 ساعة يوميا لمرور الفلسطينيين كما تقرر السماح بدخول الفلسطينيين أرض مصر دون تأشيرة أو اجراءات. ويقال ان رئيس الوزراء الجديد الدكتور هشام قنديل قد اختير لأن من مؤهلاته أن أمه فلسطينية من غزة.
 
على أن أخطر ما يحدث فى هذه الأيام  هو التقارير التى تقول ان فلسطينيين من غزة يقومون منذ فترة بشراء أراضى بشمال سيناء تقدر بمليارات الدولارات بالاشتراك مع عائلات تعيش فى سينا وتربطها معهم صلة نسب.  وقيل ان هذه هى الخطوة الأولى التى تسبق مخططا لتوطين الفلسطينيين فى سيناء.
 
والسؤال الهام الذى يفرض نفسه الآن: هل يكون هذا جزءا من مخطط أمريكى اسرائيلى حمساوى اخوانى لعمل تصفية نهائية للقضية الفلسطينية بحيث تضم سيناء الى قطاع غزة ليكون الموقع للدولة الفلسطينية الجديدة؟  هذه الدولة تكون تحت اشراف مصر وتخضع للشروط الأمنية التى تضمنتها اتفاقية كامب دافيد. أما الضفة الغربية فطبعا سيسعد اسرائيل أن تضمها اليها بعد ان تعطى سكانها الخيار فى التوطين داخل الدولة الفلسطينية الجديدة أو البقاء فى أماكنهم ليصبحوا مواطنين اسرائيليين على غرار عرب 48 الذين يعيشون الآن داخل اسرائيل. وحالة الفقر التى يعيش فيها سكان الضفة الغربية الآن والحظر المفروض عليهم حاليا لعبور السور العازل ودخول اسرائيل للعمل توحى انهم سيرحبوا بالانضمام الى اسرائيل.
 
هذا الحل يبدو انه يرضى جميع الأطراف، الا مصر طبعا التى ستتحمل وحدها دفع الثمن.  لقد كانت مصر هى التى تحملت العبء الأكبر فى القضية الفلسطينية منذ بدايتها وهى التى قادت الحروب ضد اسرائيل نيابة عن العرب جميعا، بداية بحرب 48 ومرورا بحرب 56 و67، وحرب الاستنزاف، وانتهاء بحرب 73.  وقد قيل، من باب السخرية، مع انه قول يحمل الكثير من الصدق، ان العرب قرروا ان يحاربوا اسرائيل حتى آخر جندى من جيش مصر.  هذا طبعا بعد أن قرروا ان تنفق مصر على هذه الحروب آخر جنيه من ثروة مصر.  واليوم يمكن ان يضاف لهذا القول أن العرب قرروا ان يحاربوا اسرائيل الى آخر شبر من أرض مصر.
 
Mounir.bishay@sbcglobal.net

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter