" لأَنَّ الصِّدْقَ سَقَطَ فِي الشَّارِعِ " آية بليغة أتت في الإصحاح  59 من سفر إشعياء بالعهد القديم ، وكأنها توجز وتشخص الحالة التي بات عليها حالنا وتشخص بدقة ما يفعله أهل الحل وأصحاب القرار بنا ، ومن يدعون أنهم النخبة أهل التحليل والتعقيب ، فإذا بهم عن مبادئهم يحيدون ، وللسلطة والسلطان ينافقون .. 

تعالوا نتأمل تلك الآيات " مِنْ أَجْلِ ذلِكَ ابْتَعَدَ الْحَقُّ عَنَّا، وَلَمْ يُدْرِكْنَا الْعَدْلُ. نَنْتَظِرُ نُورًا فَإِذَا ظَلاَمٌ. ضِيَاءً فَنَسِيرُ فِي ظَلاَمٍ دَامِسٍ. 10نَتَلَمَّسُ الْحَائِطَ كَعُمْيٍ، وَكَالَّذِي بِلاَ أَعْيُنٍ نَتَجَسَّسُ. قَدْ عَثَرْنَا فِي الظُّهْرِ كَمَا فِي الْعَتَمَةِ، فِي الضَّبَابِ كَمَوْتَى. 11نَزْأَرُ كُلُّنَا كَدُبَّةٍ، وَكَحَمَامٍ هَدْرًا نَهْدِرُ. نَنْتَظِرُ عَدْلاً وَلَيْسَ هُوَ، وَخَلاَصًا فَيَبْتَعِدُ عَنَّا. 12لأَنَّ مَعَاصِيَنَا كَثُرَتْ أَمَامَكَ، وَخَطَايَانَا تَشْهَدُ عَلَيْنَا، لأَنَّ مَعَاصِيَنَا مَعَنَا، وَآثَامَنَا نَعْرِفُهَا. 13تَعَدَّيْنَا وَكَذِبْنَا عَلَى الرَّبِّ، وَحِدْنَا مِنْ وَرَاءِ إِلهِنَا. تَكَلَّمْنَا بِالظُّلْمِ وَالْمَعْصِيَةِ. حَبِلْنَا وَلَهَجْنَا مِنَ الْقَلْبِ بِكَلاَمِ الْكَذِبِ. 14وَقَدِ ارْتَدَّ الْحَقُّ إِلَى الْوَرَاءِ، وَالْعَدْلُ يَقِفُ بَعِيدًا. لأَنَّ الصِّدْقَ سَقَطَ فِي الشَّارِعِ، وَالاسْتِقَامَةَ لاَ تَسْتَطِيعُ الدُّخُولَ. 15وَصَارَ الصِّدْقُ مَعْدُومًا، وَالْحَائِدُ عَنِ الشَّرِّ يُسْلَبُ. فَرَأَى الرَّبُّ وَسَاءَ فِي عَيْنَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ عَدْلٌ." 

من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية التي غابت عن البلاد والعباد قبل ثورة يوليو 1952 ، كانت ثورة ناصر ورفاقه ، وحاول ثوارها ونجحوا إلى حد كبير في مجال تقريب الفوارق الطبقية عبر حزمة من القوانين الاشتراكية ، وقوانين أخرى في مجال إعمال آليات جديدة من شأنها تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص في التعليم والتعيين والسكن .. الخ ، ولكن مع تسونامي الانفتاح الساداتي وإعمال آليات السوق على طريقة " إخطف وإجري " ضاعت العدالة الاجتماعية ، والآن يخرج لنا من يلعن ناصر ويسأل أين العدالة الاجتماعية التي يتشدق بها الناصريون ؟!.."مِنْ أَجْلِ ذلِكَ ابْتَعَدَ الْحَقُّ عَنَّا..".

ثم كانت ثورة 25 يناير 2011 ، وكانت العدالة الاجتماعية المطلب الرئيس للثوار في ميادين التحرير ، ولكن كما تقول الآية " لأَنَّ الصِّدْقَ سَقَطَ فِي الشَّارِعِ " تم بيع دم الشهداء ، والعيون التي فقأت ، والأعضاء التي تهشمت على أسفلت ميادين الحرية ، وباع نجوم الميدان الثورة بدراهم الظهور على الفضائيات ، وتخصيص مربعات الكتابة الخائنة في صحافة وإعلام الخيابة ، وذهبنا جميعاً عبر رحلة قميئة أطلق صفارة انطلاقها طارق البشري بلجنته الدينية ، ومنها إلى موقعة الصناديق ، وصولاً لأحمد شفيق النصراني ومحمد مرسي الرمز الثوري المسلم ، والحقيقة أنهم أرادوها لعبة        

 " مسلم ومسيحي ولا زالت المعركة مستمرة على طاولات إعداد الدستور ، أما الوطن والمواطن ياعيني عليه !!.. والعدالة الاجتماعية لا تسألوا أمراً بات غريباً لدى جماعة الغباء السياسي ، والسلام الاجتماعي صار في خبر كان كما تقول الأغنية ، فقط فلنتأمل دلالة خبر " تعيين رجل أعلن ضرورة كراهية الأقباط و اختياره في لجنة وضع الدستور !!! ، وفي ظل تلك الحالة من الاحتقان الطائفي يصدر قرار جمهوري بالعفو عن داعية وعودته إلى البلاد ، وهو الذي سب وأهان قداسة البابا شنودة الثالث وأعلن عن فرحته وشماتته في مرضه ورحيله ، وظل على مدى العام الأخير يصب جام غضبه على الأقباط !!!..تقول الآية " نَنْتَظِرُ نُورًا فَإِذَا ظَلاَمٌ. ضِيَاءً فَنَسِيرُ فِي ظَلاَمٍ دَامِسٍ"..

من منا ينسى وقفة رموز جماعات التغيير وحركة كفاية وحمدي قنديل وجماعة جريدة الشروق تأييداً للرئيس المرشح ، بعد إعلان أن د. محمد مرسي قد تعهد لكل القوى السياسية بكذا وكذا .. الخ ، وبالأمس السبت 28 يوليو يخرج هؤلاء بعد استشعارهم هذا القدرمن غضب الشارع المصري لفعلتهم عبر هذا التحول دون أي ضمانات من جانب جماعة عُرف عنها وعبر أكثر من 80 ىسنة أنه لم يكن لوعودهم مصداقية في يوم من الأيام .. تخرج جماعة الجبهة الوطنية ليقولوا " الرئيس مرسى قد تجاوز "كل" ما اتفقنا عليه قبل فوزه بالرئاسة حول تشكيل الحكومة ".. ووائل غنيم يصرح " ندعو الرئيس مرسى لتنفيذ وعوده.." يا سلام ده كلام وبعد إيه يا من تصورناكم معنا .. تقول الآية " حَبِلْنَا وَلَهَجْنَا مِنَ الْقَلْبِ بِكَلاَمِ الْكَذِبِ. 14وَقَدِ ارْتَدَّ الْحَقُّ إِلَى الْوَرَاءِ، وَالْعَدْلُ يَقِفُ بَعِيدًا. لأَنَّ الصِّدْقَ سَقَطَ فِي الشَّارِعِ "..
 

وعلى الجانب الأخر يصطف أقباط مصر ورموزهم الوطنية لرفض زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية ، ولكن يذهب منهم من يجالسونها ويخرجون إلينا بتصريحات ترفع ضغط دم السليم من بشر كنا نتخيلهم منا.. تقول الآية " 10نَتَلَمَّسُ الْحَائِطَ كَعُمْيٍ، وَكَالَّذِي بِلاَ أَعْيُنٍ نَتَجَسَّسُ. قَدْ عَثَرْنَا فِي الظُّهْرِ كَمَا فِي الْعَتَمَةِ ، فِي الضَّبَابِ كَمَوْتَى " ..