يوسف سيدهم
في لقاء ظللته مشاعر الدفء والمحبة وسط نهار قارس البرودة وشمس خجولة مترددة بين الظهور والاحتجاب, احتفلت أسرة وطني إنترناشيونال- الملحق الإنجليزي لجريدة وطني- بانقضاء عشرين عاما من عمر الملحق وبداية عقد ثالث يواصل فيه مسيرته ورسالته التي بدأها بصدور عدده الأول في 18 فبراير عام 2001.
وعندما أقول إن الملحق يواصل مسيرته ورسالته أستدعي ذكريات عزيزة واكبت التخطيط والإعداد له بين عامي 2000/1999 حين شغلنا في وطني بقضية الأقباط في المهجر والنسيج المتشابك بينهم… ففيهم الجيل الأكبر الذي هاجر من مصر سعيا وراء مستقبل أفضل -أو خلاصا من واقع مأزوم- وهو جيل تربي وترعرع فوق تراب مصر وبين أهلها وشرب من نيلها ورضع عاداتها وتقاليدها ولغتها المصرية والعربية وارتبط بكنيستها واعتز بجريدة وطني ضمن صحافتها وإعلامها. هذا الجيل لم تكن تفصله أية حواجز عن مصر أو كنيستها أو وطني واستمر يحمل هويته في عقله وقلبه في المهجر, ويحرص علي التحدث مع أقرانه المصريين باللغة المصرية العربية بغض النظر عن درجات إجادته اللغة الإنجليزية التي تربطه بالعالم الجديد الذي وفد إليه.
وهناك مع الجيل الأكبر الجيل الثاني للأبناء الذين ولدوا في مصر وعاشوا فيها سنوات متباينة من طفولتهم وصباهم ثم تركوها مع ذويهم, وذلك الجيل الثاني بطبيعة الحال أقل ارتباطا بالهوية المصرية من الجيل الأكبر وأكثر قدرة علي التفاعل مع هوية ولغة المهجر والذوبان فيها, وبالتالي هو في احتياج إلي أن نعمل علي تنشيط ذاكرته فيما يخص وطنه الأم مصر وهويته المصرية -ولكن ليس بالضرورة باللغة العربية إنما يكون التواصل معه باللغة الإنجليزية… أما التحدي الأكبر بطبيعة الحال فكان بالنسبة للجيل الثالث, جيل المواليد الجدد الذين جاءوا إلي العالم علي أرض المهجر من أب وأم مصريين -أو أحدهما علي الأقل- والذين يعتبرون منتمين بالكامل لهوية بلد المهجر ولا يعرفون شيئا عن جذورهم المصرية, وهنا كان التحدي مضاعفا لتأسيس المنبر الوطني الذي يتولي إيقاظ وعيهم ببلد أهلهم مصر وتاريخها وهويتها سعيا لتوثيق الصلة معهم وتحويلهم إلي رصيد وطني مضاف إلي مصر في الخارج بدلا من أن يكون رصيدا مخصوما لا يعرفها ولا يأبه بها.. وطبعا كانت اللغة الإنجليزية خيارا لا بديل عنه في إدراك ذلك المسعي, أو ما أطلقت عليه الرسالة.
هكذا تأسس ملحق وطني إنترناشيونال باللغة الإنجليزية عام 2001 ووضعت له كل المعايير المهنية والصحفية التي تؤهله لأداء رسالته وتحقيق أهدافه ولعل في صدارتها الحرص علي ألا يكون نسخة مترجمة من جريدة وطني من العربية إلي الإنجليزية, إنما يتبع منهجا مستقلا في التحرير والكتابة والإخراج وتدقيق اللغة يجعله أقرب إلي الصحافة الراقية الملتزمة في المهجر ليكون أكثر إقناعا وجذبا تجاه الشريحة التي يستهدفها من المهاجرين المصريين وأبنائهم… كل هذا مع التمسك بمضمون الرسالة الوطنية والهوية المصرية.
وهكذا واصل الملحق مسيرته عاما بعد عام ونجح بدرجة مبهرة في تحقيق رسالته واحتفلت أسرته بعيد ميلاده العاشر عام 2011- وسط عنفوان الأحداث التي تعرضت لها مصر آنذاك- ثم ها هي أسرته تعود وتحتفل بعيد ميلاده العشرين هذا الشهر في ظل الكثير من الاطمئنان علي واقع مصر والأمل في مستقبلها المشرق.
وعندما أتحدث بكل التقدير والإعجاب -بل والعرفان أيضا- عن أسرة وطني إنترناشيونال لا يستقيم إلا أن أضع علي رأس هذه الأسرة الأم الروحية والمهنية التي شغلت به فكرة وشاركت بكل جوارحها وحماسها في مراحل تشكيله وتأسيسه وإطلاقه وعملت بلا كلل وبغيرة صادقة علي تواصله وتحقيق أهدافه.. إنها سامية سيدهم الابنة الكبري لمؤسس وطني الراحل الأستاذ أنطون سيدهم وأختي الحبيبة… لعبت سامية سيدهم دوما وحتي الآن دور القائد لأسرة -أو كتيبة- وطني إنترناشيونال.. لكن مهلا.. لم تمارس القيادة بالأوامر أو الترهيب ولا بالثواب والعقاب, إنما بمزيج ساحر من القيادة بالحب والتعاون والبذل والانضباط -وحتي الصرامة إذا اقتضي الأمر ولكنها الصرامة التي تحركها الغيرة ويشفع لها الحب- ولعل كل ذلك هو ما ترك ميراثا متراكما من العلاقات المهنية والإنسانية العميقة التي تجلت في أجمل صورها في الاحتفال الذي أشرت إليه في مستهل هذا المقال والذي جمع هذه الأسرة وهي تستعد لتخطو إلي العقد الثالث من عمر وطني إنترناشيونال.
بقي أن أسجل أمرين لا يمكنني أن أنهي هذا المقال بدونهما:
** من لم يعاصر مسيرة وطني إنترناشيونال قد يعتقد أنه لم يشغل سوي صفحة واحدة من إصدارات وطني كحال هذا الملحق خلال السنوات القليلة الماضية, لكني أسجل بكل اعتزاز أنه ولد فتيا وشغل أربع صفحات احتشدت بذخيرة متنوعة إخبارية وتحقيقية وتاريخية ووطنية, كما تضمنت إسهامات كثيرة لأقلام مرموقة من الخارج, ولم تنكمش تباعا عبر السنوات إلي ثلاث صفحات ثم صفحتين وأخيرا صفحة واحدة, إلا بالتوازي مع تخفيض وطني لصفحاتها تحت وطأة الارتفاع المضطرد لتكاليف الورق والطباعة… ولذلك فقد اتفقت مع سامية سيدهم وأسرة الملحق علي النظر في أمر استحداث باب أسبوعي -أو شهري- يستدعي من ذاكرة وأرشيف الملحق نماذج مما زخرت به إصداراته عبر مسيرته ورسالته.
** جاء الوقت لأن أسجل بكل العرفان والامتنان موقفا كريما وعظيما تذكره أسرة وطني لـسامية سيدهم في إطار حبها وتفانيها لخدمة رسالة وطني.. فقد استمر ملحق وطني إنترناشيونال منذ بدء صدوره في فبراير 2001 وحتي نوفمبر 2016 يحمل اسمها كمديرة تحرير متصدرا صفحته الأولي, وذلك حين قام المجلس الأعلي للصحافة بمطالبة وطني بالاقتصار علي أعضاء نقابة الصحفيين -جدول المشتغلين- فيمن تتصدر أسماؤهم إصداراتها وأبوابها التحريرية, وكان أن امتثلت وطني لهذا التقليد وكانت سامية سيدهم ضمن من تم رفع أسمائهم… لكنها أبدا لم تحتج ولم تعترض ولم تغضب, إنما بلا أدني تردد أو مساومة استمرت تؤدي جميع مسئولياتها في التحرير وقيادة أسرة الملحق بنفس التفاني والمحبة والإخلاص وكجندي مجهول لقراء كثيرين جدد لم يعاصروا موقعها علي صدارة الملحق قبل نوفمبر 2016 ولكن كنموذج يحتذي يندر وجوده وتثمنه أسرة وطني علي الدوام.
*** تهنئة فخر واعتزاز لملحق وطني إنترناشيونال مع أحر وأصدق الأمنيات بنجاح متواصل في خدمة المسيرة والرسالة.