بقلم: محمود عرفات

 حين إنتهيت من مشاهدة لقاء الصديق أسامة عثمان مع الجميلة بسنت موسى تداعت مشاهد لم تتجاوز الثمان سنوات ، مشاهد تدرجي في مغادرة كوني إسلامي إلى موقعي الآن كمسلم فقط دون أن امتد بهذا الى الأسلمة فأكون إسلامياً أحول معتقدي إلى الآخر حتى من أناء ديني و مذهبي فأقمع و أحطم و أنا أرى تلك عبادة ، رأيت أن أشاطركم جانب من هذا التحول الذي لولاه لما كنت اليوم هذا الشخص..

 
يقولون أن الدين إرث عائلي و هذه حقيقة فنحن نرث الأديان من العائل و المذهب و ربما التعصب ، حين أنهيت الفترة الاعدادية بدأت أكون (فردياً) بعض الاعتقادات متأثراً (هرمونياً ربما) بكل صوت عال أسمعه و كل وجه شهير يردد الكلمات ، كانت البداية مع دروس الشيخ كشك المسجلة على شرائط كاسيت قديمة سمعتها و كررتها و رددت ما فيها دون فهم حتى للحداث التاريخية و زرع هذا شيئين الأول كراهية جمال عبد الناصر و كمال اتاتورك -!- و الثاني كراهية غير المسلم تحديداً اليهود و المسيحيين بإعتبارهم مصدر الشرور ، مع نهاية الثانوية العامة كانت الحالة مازالت فردية فانا مستقل في توجههي متشدد مع كل شئ و مع كل ما يخالفني لست في جماعة لكن انا الجماعة و اتذكر أحد الاصدقاء (مكاري المسكين) الذي لسبب لا أعلمه ظل بجواري عامين بالثانوية بالمدرسة و علاقتنا مذبذبة بين العداء و الاهانة و فترات هدنة كنت أستفزه و اتعالى عليه و هو لا يبخل بالرد حتى تبادلنا الضربات ذات يوم ، كانت قراءاتي قد زادت لتشمل مجلدات للشيخ الشعرواي علمتني كيف انغلق عن واقعي بإسم الوسطية و  و الاهرام و الاخبار لأتابع بعض الكتاب مثل فهمي هويدي و زغلول النجار و محمد عمارة و غيرهم مكونا أطنان من المعرفة التي لا تقل فساداً عن مصادرها.
 
حين إنتقلت لكلية الحقوق كان الواقع صادماً فموقفي الديني من الاناث و المسيحيين و كل ما قرأت عنه محل اختبار حقيقي فمدينتي الصغير ليست كتلك الجامعة بعاصم المحافظة بطنطا ، هنا تتعدد الأشياء التي أسميها (جرائم) الآن و التي لا أحب ذكرها فهي قانوناً ليست جرائم لكن عندي الان هي جرائم ، تشددي بالعام الاول حولني تلقائياً للصداقة مع كل الملتزمين كما كت أسميهم و صداقة مع بعض الاخوان أتذكر منهم علاء نزيه جميل تحديداً و له عندي موقف أرويه الآن ، كان عاماً مليئاً بالصدمة الحضارية كما يسميها د.مراد وهبة حيث أسقط غضبي من (الانحلال) على من أقترب منه و لا أدري كيف كنت هكذا بحق !!
 
في نهاية العام الاول حدثت اول مصادفة إذ إنضممت للتربية العسكرية في الصيف بالكلية و هناك تشاجرت ثم اقتربت من صديقين مسيحي و مسلم تعجبت لألفتهما و قربهما و تشاجرنا ثم تصالحنا و لا أدري كيف فعلاها لكن وجودهما معاً غير شئ ما في نظرتي (لمن يحملون في ظهورهم و أرحامهن أعداء الاسلام) إبراهيم و جون كانا صديقين مقربين من بعضهما لكني لم أفهم الامر جيداً الا بتغيير آخر ، كنت قد بدأت اطالع سريعاً جريدة الغد (أيمن نور) و لفت انتباهي وجود صفحة هموم الأقباط و دفعني الفضول لقراءتها لتكون شئ جديد يهز ضميري ربما أو عقلي لا أعرف لكني وجدت مشكلة و ظلم حقيقيين أمامي دفعني هذا للبحث أكثر و سؤال جون أكثر حول المشكلات لأجد عالما لا أعرفه و حقائق لم أكن أفكر بها أجدها أمامي ، في ذلك الوقت عدت بقرار أوجده الفراغ في نصف العام الاول الى القراءة فأعدت فتح مكتبة والدي لأجد مذكرات خالد محيي الدين و محمد نجيب و كتاب فلسفة الثورة و كتب اخرى تناولت الثورة عام 1952 ، إنتهت الاجازة و لم تنتهي القراءة التي كنت هجرتها منذ زمن ، كم هائل قرأته فكنت انهي اسبوعيا كتاب و أشتري آخر و هناك بدأت في جمع سلاسل للكتاب و مقالات لهم و مجلدات كبرى ، عالم جديد من المعرفة أصابني بصدمة حضارية أخرى.
 
مع الاخوان أتذكر مواقف أنتقي منه مشهد كان مثابة إهتزاز لرؤيتي لهم ، كان علاء يحضر كل يوم مجموعة الى المدرج تقرأ القرآن فنصمت عن الكلام و حين ينتهون يبداون بالدعاء فنقف و نردد ىمين ، وقتها كنت إعتدت على الجلوس مع جون في ركن يتجمع فيه مسيحيوا الدفعة و بطبيعة الحال أقف و أردد آمين ، في ذلك اليوم دخلت مجموعة للقراءة و الدعاء لا أعرفها و أثناء الدعاء قالوا اللهم عليك باليهود و من هاودهم و النصارى و من ناصرهم -!!- وجدت نفسي أجلس و لا أقول آمين لني لن أدعوا على جون مثلا بلا سبب ، بعد الدعاء تركت مكاني و توجهت ابحث عن مشرفهم علاء و أخبرته بما حدث فانزعج و تركني و قرب نهاية اليوم عاد و شكرني و وعدني بان لا شئ سيتكرر ثم قال قنبلته: 
معلش أصلهم مش من هنا دول من شريعة و قانون و ما يعرفوش دعاء الكلية-
-هوه كل كلية ليها دعاء يا علاء؟
- آه انت عارف المسيحيين كتير هنا فما بياخدوش راحتهم في الدعاء.
تركني علاء و كان هذا الموقف نهاية سلسلة مواقف محيرة مع شباب الاخوان و نهاية صلتي بهم كذلك الى الابد..
 
مع العام الثالث و الرابع تكون محمود عرفات جديد ، كل مؤلفات و كتابات خالد منتصر و فرج فودة و محمد حسنين هيكل و روايات عالمية و مصرية لتولستوي و تشارلز ديكنز و توفيق الحكيم و السحار الخ الخ كلها أو ما تيسر من ترجمتها قرأته و مع كل كتاب أتغير خطوة بسيطة ، عامين من التغيير البطئ و آخران أثناء الماجستير كونا شخص جديد ، أربعة أعوام من 2004 الى 2008 ثم عامين الى 2010 تكفلا بكل شئ ، القراءة كانت وسيلتي للتغيير و المعرفة بالذات من مفكرين كالدكتور مراد وهبة و أصحاب حجة كخالد منتصر ، كمية مهولة من المعرفة تجمعت لتصنع انسان جديد.
 
هناك تفاصيل كثيرة و عديدة لم أذكرها فما كتبته رؤوس مواضيع لا أكثر في حياتي ، لكنها مفاتيح التغيير التي ألخصها في كلمة المعرفة فمصادر المعرفة صنعت مني منغلق كارة لكل غير محجبة محتقر لها كاره للمسيحي و اليهودي محتقر لهما و مصادر أخرى صنعت إنسان مؤمن بالانسانية أولاً قبل أي شئ ، لا تعتقدوا انكم ستغيروهم بالكلام بل اعلموا أن التغيير بالمعرفة و القراءة ، فقط المعرفة..
نماذج جون و ابراهيم و قصص الاقباط بجريدة الغد كانوا مفاتيح لكي اعيد التفكير و الاجابة كانت بالقراءة و المعرفة ، نحن أمة تجهل و تستمر في الجهل مهملة كل مصادر المعرفة ، تفاصيل كثيرة أخرى لا أقدر على ذكرها بالذات جرائمي في حق زملائي و حريتهم و إنسانيتهم ربما ، الآن أغلق نافذة فتحها صديقي أسامة سامحه الله و أعيد فتح نافذة جديدة هي نافذة اليوم حيث أحيا كإنسان يؤمن بالانسانية التي تجمعنا و يرى دينه جزء من كل و يعتبر عقائده جزء من دائرة الاديان لا يحتكر الحقيقة و لا يحتقر الاخر..