بقلم منير بشاي
العمل فى مصر قائم على قدم وساق بعد بناء ما أفسده الدهر، وما اهملته حكومات مصر السابقة، والتي اوصلت مصر للحضيض. المشكلات على كل لسان، ومع ذلك لم يفكّر أحد في ان يضم لها المشكلة الواضحة لكل عين، والتى هى اساس كل المشكلات، وهي التزايد الخطير فى عدد السكان، او ما يطلق عليه الانفجار السكاني.
هذا الانفجار السكاني مرتبط ليس فقط بتزايد عدد المواليد ولكن ايضا بانخفاض نسبة وفيات المواليد، وارتفاع توقعات الحياة لكبار السن. كل هذه امور معروفة ومحسوبة فى اعتبارات الدول وتنعكس على خططها. ولكن مصر تعامل الموضوع وكأنه لا يعنيها، مع انها من أكثر الدول تأثرا به
في سنة ١٩٥٠ كان عدد سكان مصر حوالى٢٠ مليونا. والآن في سنة ٢٠٢١ أصبح العدد أكثر من ١٠٠مليونا، اي انه تضاعف ٥ مرات تقريبا في خلال ٧٠ عاما. هذا بينما في الدول الصناعية المتقدمة يحدث التضاعف مرة واحدة كل ٢٠٠ سنة تقريبا.
الغريب ان المسئولين ومعهم الاعلام المصرى لم يفتحوا الكلام عن هذا الموضوع الخطير الا بعد ان بدأ الرئيس السيسي الكلام فيه. فهناك تابوهات خاصة تفرض نفسها على الموضوع نتيجة اعتبارات دينية معروفة. ولكن بعد فتح الموضوع بدأ فجأة الكلام واعترف الكل انها اهم مشكلة تواجه مصر. وفى ذلك يقول د. بطرس بطرس غالى الامين العام السابق للامم المتحدة ان اهم مشكلة تواجه مصر حاليا هي الانفجار السكاني. ويضيف ان القيادات السياسية المختلفة لم تفكر فى حل لهذه المشكلة نتيجة الدور الذي لعبته التيارات الدينية فى محاربة ثقافة تحديد النسل.
على مدى اربعين عاما عانت قضية الانفجار السكانى فى مصر تراكمات كثيرة مصحوبة بالاهمال واللامبالاة من الحكومات السابقة الى ان وصلت الامور اليوم الى ما هي عليه. والمشكلة الآن غير قابلة للتأجيل بعد ان أصبح الوطن لا يتسع للحياة الآدمية لكل سكانه.
لنفترض ان اسرة مكونة من زوجين وثلاثة ابناء يعيشون فى شقة صغيرة تكفيهم بصعوبة. ولكن ماذا لو جاءت أربعة عائلات اخرى لتشاركهم مسكنهم الضيق؟ كيف سيكون حالهم؟ واين سيعيشون ويأكلون وينامون ويتحممون ويقضون حاجتهم؟ وماذا سيفعلون اذا تزايد عدد افراد هذه الأسر الى اكثر من ذلك وهو ما سيحدث بالتاكيد اذا لم يحدث حل للمشكلة؟ الشقة هى مصر والعائلات التى تسكنها هى الشعب المصرى.
من الطبيعى انه مع زيادة عدد السكان ينخفض مستوى المعيشة. فليس هناك مكان لاسكان كل هؤلاء وان وجد سيكون بأثمان خيالية تفوق مقدرة غالبيتهم المالية. ونتيجة وجود فجوة كبيرة بين الاغنياء والفقراء فى مصر اصبح الغنى يستطيع شراء الشقق (التمليك) بينما حرم منها الفقير. واضطر الفقراء الى سكن القبور والعشوائيات التى لا تتوفر فيها المياه النقية والصرف الصحي. بل تسبب الانفجار السكانى فى زيادة عدد العاطلين من الشباب فبلغت نسبة البطالة بينهم حوالى 20%. ليس هناك فرص عمل لتوظيف كل هؤلاء والبطالة تدفعهم الى السخط على المجتمع وقد تقودهم الى العنف والجريمة. وبسبب تناقص الرقعة المزروعة وتزايد الافواه الجائعة وتزايد نسبة الفقر اصبحت هناك مشكلة في توفير الغذاء الكافي الذي يقيهم المرض ويساعدهم على الصحة. ومع ارتفاع سعر الدواء والعلاج انتشرت الامراض وتدهورت الرعاية الصحية.
هذا وان ازدياد عدد السكان لم يمكّن الدولة من انشاء المدارس والمعاهد والجامعات التي تستوعبهم. ونتيجة لذلك زاد عدد الطلبة في الفصول. ودفع تدنّى مرتبات المدرسين الى ظاهرة الدروس الخصوصية التى اصبح هدفها مساعدة الطلبة على اداء الامتحان وليس تحصيل العلوم. والنتيجة أصبح التلاميذ لا يتعلمون الا القليل ومن يتخرجون يواجهون مشكلة البطالة. من هذا نرى ان زيادة عدد السكان وراء كل مشاكل مصر.
لا شك ان الاسباب التى كانت وما تزال تدفع المسئولين الى الهروب من مواجهة المشكلة هى القناعات الدينية. من هذه الاعتقاد ان كثرة النسل واجب دينى طبقا لقول رسول الاسلام "تناكحوا تناسلوا تكاثروا فانى مباه بكم الامم يوم القيامة" وقوله "تزوجوا الودود الولود". وكذلك ان النسل بركة من عند الله "المال والبنون زينة الحياة الدنيا" (سورة الكهف: 46)
من هنا فان اى محاولة ناجحة للتغلب على هذه المشكلة يجب ان تخاطب هذه القناعات الدينية التى تعتبر تحديد النسل تعدى على الدين. ولذلك تقتضى الحكمة الابتعاد عن استعمال الاصطلاحات غير المقبولة مثل تحديد النسل واستبداله باصطلاحات مقبولة مثل تنظيم الاسرة. ويجب تكوين جيش من رجال الدين المعتبرين ليقوموا باقناع الناس ان هذا العمل لا يتعارض مع صحيح الدين وحتى لو تعارض فان الدين يمكن ان يبيحها طبقا لمبدأ الضرورات تبيح المحظورات. وان الخليفة عمر بن الخطاب عطّل اقامة حد السرقة على الجائع الذي سرق في عام المجاعة.
وبعد- هناك مشروعات كثيرة قد بدأت في مصر لإصلاح اقتصادها المتهالك. هذا جميل، ولكن ان لم ترتبط هذه بمشروع موازي فعّال لوقف الانفجار السكاني فكل مجهودات التنمية ستأكلها الزيادة السكانية، وبذلك سنظل دائما فى المربع الأول.