بقلم: مدحت بشاي
جاء في خطاب الرئيس جمال عبد الناصرفى حفل وضع حجر أساس الكاتدرائية المرقسية بأرض الأنبا رويس في يولية 1965 " أيها الأخوة يسرنى ان اشترك معكم اليوم .. فى إرساء حجر أساس للكاتدرائية الجديدة ....وحينما تقابلت اخيراً مع البابا فى منزلى , فاتحته فى بناء الكاتدرائية , وأن الحكومة مستعدة للمساهمة فى هذا الموضوع , ولم يكن القصد من هذا فعلاً الناحية المادية , فالمساهمة المادية امرها سهل , وامرها يسير , ولكنى اقصد كنت أقصد الناحية المعنوية .إن هذه الثورة قامت اصلاً على المحبة , ولم تقم أبدأ بأى حال من الأحوال على الكراهية والتعصب .هذه الثورة قامت وهى تدعو للمساواة , ولتكافؤ الفرص , والمحبة والمساواة , وتكافؤ الفرص من اول المبادئ التى نادت بها ألأديان السمائية , لأنها بالمحبة والمساواة وتكافؤ الفرص نستطيع أن نبنى المجتمع الصحيح , المجتمع السليم الذى نريده والذى نادت به الأديان .. .
هذا هو مفهوم الثورة للدين .. المحبة بالآخاء .. بالمساواة .. وتكافؤ الفرص , نستطيع أن نخلق الوطن القوى , الذى لا يعرف للطائفية معنى.. الوطنية التى يشعر بها الجندى فى ميدان القتال .وكما قلت لكم فى أول الثورة , حينما كنا فى فلسطين فى سنة 48 م كان المسلم يسير جنباً إلى جنب مع المسيحى , ولم تكن رصاصة العدو تفرق بين المسلم والمسيحى .. وحينما تعرضنا للعدوان فى سنة 1956 م وضربت بورسعيد ..هل عرفت قنابل العداء بين المسلم والمسيحى ؟؟ وكنا نعتقد دائماً أن السبيل الوحيد لتأمين الوحدة لتأمين الوحدة الوطنية هى المساواة وتكافؤ الفرص .فإن المواطنين جميعاً لا فرق بين مواطن ومواطن .. فى المدارس .. الدخول بالمجموع .. مش أبن فلان ولا أبن علان ولا مسلم ولا مسيحى ..
أبدأ فى الجامعة الدخول بالمجموع .. اللى بيجيب مجموع بيدخل .. إن شاء الله يطلعوا تسعين فى المية منهم أولاد خفر ولا أولاد فلاحين أو أولاد عمال , ده موضوع مش بتاعنا أبداً , إحنا عندنا مساواة , ما فيش فرق عندنا بين ابن الغفير ولا أبن الوزير , ده متساوى مع ده , مافيش تمييز بين مسلم ومسيحى , إللى بيجيب النمر بيدخل , بيدخلوا 10% مسيحيين , 50% مسيحيين موش موضوعنا أبدأ.التعيينات فى الحكومة .. فى القضاء بالأقدمية .. اللى بيجيب نمرة أحسن بيروح القضاء - ما نعرفش أبن مين ولا ده أبن مين ولا ده دينه ايه , فى كل الوظائف نسير على هذا المنوال , فى الترقى , جميع الترقيات فى الدولة بالأقدمية لغاية الدرجة الأولى , كل واحد بياخد دوره بالأقدمية , مافيش فرصة للمتعصبين أنهم يتلاعبوا , طبعاً سبيلنا وده سبيل الثورة , ودى الناحية المعنوية اللى أنا جيت أبينها لكم بمساهمة الحكومة وحضورى معكم النهاردة فى إرساء حجر الأساس .إحنا كحكومة وأنا كرئيس جمهورية مسئول عن كل واحد فى هذا البلد , مهما كانت ديانته ومهما كان أصله أو حسبه أو نسبه , وعايزين الوحدة الوطنية اللى بنيت بالدم سنة 1919 م وقبل سنة 1919 م تتدعم وتقوى , وعاوزين كل واحد فى بلدنا يثق بنفسه , ويثق أن البلد بلده , بلد المسلم وبلد المسيحى..
ورغم تلك الرؤية الوطنية العظيمة التي أكد على صدقها أن فترة حكم عبد الناصر هي الأقل في ممارسة العنف والإقصاء والتمييز من جانب أهل التطرف ، فلم يشهد الوطن بشاعات نجع حمادي والكشح والقديسين والعمرانية وماسبيرو ، وخروج أهل التشدد للوقوف على باب الكاتدرائية التي كان لها هذا الخطاب الوطني وقفة تهديد وحصار وبذاءات توجه لرأس الكنيسة ، أقول برغم ذلك يرى غالبية الأقباط أن قرارات التأميم وقانون الإصلاح الزراعي وإلغاء الأحزاب كان الضرر الواقع على أقباط مصر أكثر فداحة من شركاء الوطن ..
وفى المقابل نقترب من بعض ماجاء في كتاب "الأقباط فى الحياة السياسية" للدكتورة سميرة بحر تقول "إنه فى أواخر عام 1961 قام النظام بالدعاية الصاخبة للاشتراكية وتطويعها لتعاليم القرآن، وقام رجال الدين المسيحى بتفسير العلاقة بين الاشتراكية والمسيحية، وقد تمت هذه التفسيرات على الرغم من أن التأميمات التى قامت بها الحكومة قد قضت على عدد كبير من الأعمال والصناعات التى كانت للأقباط سيطرة فيها، ففى قطاع النقل شركات الأتوبيس داخل القاهرة وبين الأقاليم كانت خسارة الأقباط خمسة وسبعين بالمائة. حيث أممت شركات إخوان مقار والأسيوطى وأبو رجيلة وحكيم مرجان، كذلك أممت مصانع وبنوك عديدة ونزعت قوانين الإصلاح الزراعى ملكية آلاف الأفدنة من عائلات قبطية مثل عائلات دوس وأندراوس وويصا وخياط . وكان لارتكاز الرئيس عبد الناصر على الخطاب الدينى وحشو خطبه بالآيات القرآنية أثر كبير فى ازدياد المد الدينى، فهو لم يرجع القرارات التأميمة لماركس، بل أعلن أن الرسول محمد هو أبو أول اشتراكية ومسيارة للنزعة الدينية، بدا الاعتراض على الوظائف العليا التى كان الأقباط يشغلون تسعون فى المائة منها، وأصبح عامل الدين يأخذ فى الاعتبار عند التعيين فى الوظائف المدنية حتى لا تطغى الأقلية على الأغلبية، وبناء على ذلك أصبح هناك وظائف ومواقع لا يقترب منها الأقباط، ومثال على ذلك كانت نسبة الأساتذة فى كلية الطب من الأقباط تصل إلى أربعين فى المائة تدهورت حتى وصلت إلى أربعة فى المائة، وإلى جانب ذلك جعل عبد الناصر الدين مادة أساسية فى مختلف مراحل التعليم، وجعل الجامع الأزهر جامعة وادى إلغاء عبد الناصر للأحزاب إلى اختفاء حزب الوفد، فانتهى بذلك دور الأقباط فى الحياة النيابية وتبنى عبد الناصر سياسة التعيين، وفى مجال الوزراء أصبح للأقباط عدد محدود من وزرات التكنوقراط أى الموظفين بعيدا عن الوزرات ذات السيادة".
وكان قداسة البابا شنودة قد ذكر فى حوار له مع الأستاذ عادل حمودة نشر بمجلة روز اليوسف 28 أكتوبر عام 1996 :"إنه فى عهد عبد الناصر كانت ظروف الأقباط صعبة وحوادث حرق الكنائس لم يكن يعلن عنها".على الجانب الآخر يرى البعض أن الرئيس عبد الناصر قدم إيجابيات استفاد منها الأقباط مثل تبرعه لبناء الكاتدرائية الكبرى بالعباسية، كذلك كان صديقا للبابا كيرلس السادس، وأن العدالة الاجتماعية قد استفاد منها جميع المصريين، كذلك فإن ضربة عبد الناصر للإخوان المسلمين ووضعهم فى المعتقلات هدأت من نشرهم لحالات التعصب فى المجتمع المصرى..
وها قد عرضت وجهتي النظر ، لكنني أسأل أيهما أفضل إلغاء الأحزاب بأمر ناصر الثورة ، أم الموافقة بعد ثورة يناير على إنشاء أحزاب إخوانية وسلفية ، مما يزيد من معاناة المواطن المصري بشكل عام ، والمسيحي بشكل خاص .. لقد أذهلني قول المستشار طارق البشري " لقد وافقنا على أحزاب بمرجعية دينية ، ولكن رفضنا أن تميز تلك الأحزاب الناس على أساس ديني " .. حد فاهم حاجة ؟!!
medhatbe@gmail.com