إعداد : نجيب محفوظ نجيب.
 
ولد القديس الأنبا بولا أول السواح فى مدينة الإسكندرية حوالى سنة 228 م. و عندما توفى والده ترك له ولأخيه الأكبر بطرس ثروة طائلة، فأراد بطرس أن يأخذ النصيب الأكبر من الميراث. و عندما اشتد بينهما الجدل أراد القديس أنبا بولا أن يتوجه إلى القضاء. و فى الطريق رأى جنازة لأحد عظماء المدينة الأغنياء، فسأل نفسه إن كان هذا الغنى قد أخذ معه شيئًا من أمور هذا العالم، فاستتفه هذه الحياة الزمنية والتهب قلبه بالميراث الأبدى، لهذا عوضا عن أن ينطلق إلى القضاء خرج من المدينة، ودخل فى قبر مهجور يقضى ثلاثة أيام بلياليها طالبًا الإرشاد الإلهى.
 
ظهر له ملاك الرب يرشده إلى البرية الشرقية، حيث أقام بجبل نمرة القريب من ساحل البحر الأحمر.
عاش أكثر من 80 سنة لم يشاهد فيها وجه إنسانٍ، وكان ثوبه من ليف وسعف النخل، وكان الرب يعوله ويرسل له غرابًا بنصف خبزة كل يوم، كما كان يقتات من ثمار النخيل والأعشاب الجبلية أحيانًا، ويرتوى من عين ماء هناك.
 
ظن القديس الأنبا أنطونيوس أبو الرهبان أنه أول من سكن البرارى، فأرشده ملاك الرب بأنه يوجد فى البرية إنسانًا لا يستحق العالم وطأة قدميه؛ و من أجل صلواته يرفع الله عن العالم الجفاف ويهبه مطرًا.
 
و عندما سمع القديس الأنبا أنطونيوس هذا الحديث السماوى انطلق بإرشاد الله نحو مغارة القديس الأنبا بولا حيث التقيا معًا بفضل العناية الإلهية، وقد ناداه القديس الأنبا بولا باسمه، وصارا يتحدثان بعظائم الله. وعند الغروب جاء الغراب يحمل خبزة كاملة، فقال القديس الأنبا بولا: "الآن قد علمت أنك رجل الله حيث لى أكثر من 80 عامًا يأتينى الغراب بنصف خبزة، أما الآن فقد أتى بخبزة كاملة، وهكذا فقد أرسل الله لك طعامك أيضًا."
 
فى نهاية الحديث طلب الأنبا بولا من الأنبا أنطونيوس أن يسرع ويحضر الحلة الكهنوتية التى للبطريرك القديس البابا الأنبا أثناسيوس الرسولى لأن وقت انحلاله و انطلاقه إلى السماء قد قرب. رجع القديس أنبا أنطونيوس وهو متأثر للغاية، و عندما أحضر الحلة وعاد متجهًا نحو مغارة القديس الأنبا بولا رأى فى الطريق جماعة من الملائكة تحمل روح القديس متجهة بها نحو الفردوس وهم يسبحون ويرتلون بفرحٍ.
 
وصل الأنبا أنطونيوس المغارة فوجد الأنبا بولا جاثيًا على ركبتيه، فظن أنه يصلى و لهذا انتظر طويلًا ثم اقترب منه فوجده قد تنيح، وكان هذا فى الثانى من شهر أمشير (سنة 343 م) .
بكاه القديس الأنبا أنطونيوس متأثرًا جدًا، و صار يفكر كيف يدفنه فأبصر أسدين قد جاءا نحوه، فأشار إليهما نحو الموضع المطلوب فحفرا حفرة ومضيا، ثم دفنه وهو يصلى.
 
حمل الأنبا أنطونيوس ثوب الليف الذي كان يلبسه القديس الأنبا بولا وقدمه للبابا الأنبا أثناسيوس الرسولى الذي فرح به جدًا، وكان يلبسه فى الأعياد السيدية الكبرى : أعياد الميلاد والغطاس والقيامة، وقد حدثت عجائب من هذا الثوب.
 
تحّول الموضع الذي يعيش فيه القديس إلى دير يسكنه ملائكة أرضيون يكرسون كل حياتهم لحياة التسبيح المفرحة بالرب يسوع المسيح.