ماجد الراهب
تناولت منذ فترة قصيرة قضية هروب الفتيات والسيدات فى مقالة ( خطف أم تغرير ) وتلقيت كثير من الإستحسان لهذه المقالة ولكن فى نفس الوقت تلقيت عدة شكاوى من ارتفاع حالات الطلاق والإنفصال لسوء معاملة الازواج لزوجاتهم وهى تعد من أهم أسباب الهروب وللأسف ليس لدينا إحصاءات رسمية عن هذه الأعداد ولكن أعلم أن الاعداد مخيفة وتزداد كل يوم وبالنسبة لمصادر الدولة الرسمية فى نسب الطلاق على مستوى مصر هناك حالة طلاق كل دقيقتين وهذا الرقم كارثى بكل المعانى .
 
من اجل ذلك دعونا نتحدث عن مفهوم الاسرة فى المسيحية والمشاكل التى تتعرض لها وسنخوض فى ثلاثة محاور
أولا : الزواج فى المسيحية
ثانيا : لماذا الطلاق 
ثالثا : وهل من حل
الزواج فى المسيحية
أول معجزة صنعها السيد المسيح كانت فى عرس قانا الجليل ( يو 2 : 1 -11 ) وهذه إشارة واضحة لتكريم السيد المسيح للزواج وصاحب ذلك معجزة تحويل الماء الى خمر ، هذا الماء الذى كان يرمز للتطهير عند اليهود يحوله إلى خمر معلنا نهاية الطقس اليهودى مؤكدا أنه لا تطهير إلا بدم السيد المسيح الذى يشير اليه الخمر ، وفى فهم واضح يربط الأباء بين هذه المعجزة وقدسية الزواج وان المضجع أصبح غير دنس ولا يحتاج العروسين للتطهير بعد إرتباطهم على أسم المسيح ويصير الزواج سر من اسرار الكنيسة ويصل قدسية الزواج ان يقول احد الأباء ( بإتصال الزوج بزوجته يصيرا شركاء فى عملية الخلق مع الله ) إلى هذا الحد تسمو العلاقة الزوجية حتى يصير إرتباط المسيح بالكنيسة هو إرتباط زيجى وتصير الكنيسة هى عروس المسيح .
 
يقول القديس كيرلس الكبير ( لقد نزل كلمة اللَّه من السماء، لكي يصير عريسًا للطبيعة الإنسانية، فأخذها مسكنًا له، لكي يخطبها ويقودها إليه فتلد ثمار الحكمة الروحية ) . 
 
( لقد بدأ السيد المسيح العمل مع العروسين الشابين ليؤكد اهتمامه بالشباب، وطلب صداقتهم ليهبهم بهجة لا تنقطع ) .
 
ويقول القديس كليمنضس عن الزواج ( هو سر الحب الذى أسسه الله فى جنة عدن ثم أكد تأسيسه فى عرس قانا الجليل وإتحاد الزوجين فيه يشبه إتحاد الله بالكنيسة .. ولذلك فالعلاقة الزيجية فى سر الزواج المقدس لا تنجح إلا إذا كان كل من الزوجين قد تزوج من المسيح قبل شريك حياته ، يتذوقوا العشرة مع المسيح قبل الزواج وأثناءه وبالتالى يجعل من الزواج جنه عدن مقدسة ) . 
 
هناك الكثير الذى يقال ولكن أكتفى بهذا القدر للدلالة على عظم الزواج والأرتباط فى المسيحية .
 
لماذا الطلاق
هناك طلاق وقد ذكر فى الكتاب المقدس سواء فى العهد القديم أو الجديد ، وهناك بطلان زواج .
الطلاق هو إنفصام العلاقة الزيجية وزوالها وبالتالى فقد اهم ركن فيها وهى " أن صار الأثنين واحدا " اى الرابطة المقدسة قد إنفكت وعادا أثنين رجلا وأمرأة .
 
تتمسك الكنيسة منذ عهد البابا شنودة بمقولته " لا طلاق إلا لعلة الزنا " وهى ليس نص أو آية فى الانجيل ولكن ما هو الزنا ؟ ، الزنا بمعناه الحرفى هو خيانة أحد الطرفين للآخر وإقامة علاقة معه أى الشرك بالآخر  
 
و يفسر الأباء الزنا بأنه الشرك بالله والأنصراف عنه كما قال الله لبنى اسرائيل زنت بنت شعبى أى خانت الله وأنشغلت بآخر .
 
إذا الطلاق يقع عند اختلال العلاقة الزوجية وتهبط إلى الأرض بعد أن كانت محلقة فى السماء بجنة عدن وعليه فالطلاق يؤدى إلى الأنفصال ايضا عن المسيح ، هذا ما يجب أن نعيه جيدا ونحترس منه ، هناك فرق كبير بين الزواج فى المفهوم المسيحى وزواج أهل العالم لمجرد المتعة الجسدية وتكوين أسرة وأبناء يحملون أسم الأب ، على هذا الأساس يجب أن نتحاور ونتجادل هل نحن نتكلم عن زواج داخل إطار الأسرار أم بمفهوم العالم إن كان بمفهوم العالم فهذا سهل جدا ولا يحتاج كل هذه الضجة ولا يحتاج تدخل الكنيسة فالقوانين الوضعية فى المحاكم كفيلة بحلها وإعطاء الطلاق والخلع والزواج المدنى وهذا ليس مطلب يوضع أمام الكنيسة بل يوضع أمام مؤسسات الدولة لإقراره .
 
وإن كنا نتكلم داخل الإطار الكنسي فهذا بعيد كل البعد عما يدور هذه الايام من جدل صاخب ، ولكن يحتاج إلى منهجية أخرى وهى الرجوع لحضن الأب السماوى الشريك الأساسى فى هذه الرابطة ، وايضا تدخل الكنيسة ليس بفكر المجلس الاكليريكى وقوانين التشريع القبطية والأحوال الشخصية وسلطان الحل والربط بل بسلطان الحب وإحتضان كل الفرقاء ليعود لجسد المسيح عافيته .
 
وهل من حل
لا يستطيع احد أن ينكر ان هناك زيجات فاشلة وإرتباطات تفتقر لأقل مقومات الأرتباط ، وهناك رجال يسيئون معاملة زوجاتهم مستندين إلى أفكار شرقية عقيمة تبيح للرجل حتى ضرب زوجته أو إغتصابها ، ويصير ترك المسيحية أو تغيير الملة البوابة الملكية للفكاك من هذا الأسر أو اللجوء إلى ساحات القضاء .
 
وهنا لنا وقفة مهمة جدا هل نحن نعد شبابنا إلى الرباط المقدس وتأسيس الملكوت الأرضى لكى يتنعموا فيه ، أم نسير على مبدأ ( ضل راجل ولاضل حيط ) بالنسبة لزواج بناتنا ، أم ( أهى ست والسلام تملأ عليا البيت هى والعيال ) بالنسبة للرجال ، نحن ليس لدينا ثقافة زيجية أو جنسية لتأسيس هذا السر ، هل قامت مراكز بحثية كنسية بدراسة هذه الحالات من الفشل الزيجى وقدمت دراسات للإستفادة بها ، هل قامت التربية الكنسية بواجبها فى هذا المجال ، هل أنشأنا مدارس للمقبلين على الزواج بمنهج روحى تربوى اجتماعى جنسى وتقديم السيد المسيح كشريك أساسى بهذه الرابطة الأسرية .
هل قامت الكليات الاكليريكية أو معهد الدراسات القبطية بدراسات مستفيضة عن بطلان الزواج والطلاق خلال العصور القبطية المختلفة وأقوال الأباء فى هذا المضمار وكيف نصل لحل لعلاج هذه الزيجات الفاشلة ، هل بحثنا وضع المرأة فى الكنيسة ومكانتها وهناك مازالت أصوات تحاول التقليل من مكانتها وإزدراءها ، لقد تقدمت ببحث منذ عدة سنوات عن طهارة المرأة وأحقيتها للتقدم للأسرار أثناء الدورة الشهرية وكم قوبل بالهجوم من رموز كنسية مازالت تحت نير الفكر السلفى بالنسبة للمرأة ، ولكن نشكر قداسة البابا تاوضروس الذى أصدر من خلال المجمع المقدس بتاريخ 2 / 6 / 2017 أحقية المرأة فى ذلك 
 
الحلول كثيرة ولكن الحاجة الى واحد ... الرجوع إليه .