بقلم- حنا حنا المحامي
منذ أيام "السادات" والعك القانوني والدستوري يرتع في ربوع "مصر"، ينشر فيها الجهل والتعصب والانقسام، وكأن الدساتير "فسيخة" مباحة لفتح النفس من أجل النهم والشره، وكذلك الزفارة!.
وبنظرة عاجلة أو حتى متأنية إلى المادة الثانية من الدستور، نجد أن نصها كالآتي:
"اللغة العربية لغتها الرسمية, ودين الدوله الإسلام, ومبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع"، ويُقترح إضافة "والأزهر الشريف هو المرجعية النهائية لتفسيرها"..
ويتعين أن نحلل هذه المادة تحليلًا سليمًا حتى نفهم إلى أين نحن سائرون..
فيما يتعلق باللغة العربية كلغة رسمية للبلاد، لم يكن هناك آنئذ– أي عند وضع دستور 1923- أي تثريب على ذلك النص، لأنه ورد عقب وأثناء احتلالين متتابعين هما الاحتلال الفرنسي والاحتلال البريطاني. وكل مستعمر حاول أن ينشر لغته ويجعلها لغة أساسية في البلاد، فكانت إضافة هذه المادة في محلها، إذ أنها تجعل اللغة العربية هي المتقدمة على اللغات الأخرى.
إلا أن هذا الأمر أصبح الآن تحصيل حاصل، ذلك أنه حتى بفرض النص على خلاف ذلك، فلم يصبح هناك مجال لأية لغة أخرى، بل أصبحت أية لغة أخرى هي لغة أجنبية. على ذلك سواء أضيفت المادة التي تنص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية أم لا فلا يوجد ثمة مجال لإنكار هذه الحقيقة، فقد أصبح العلم والتعليم في متناول الحاكم المصري فقط لا غير.
ولما كانت الدساتير عبارة عن نبراس يهتدي به المشرع في سن القوانين، فمن ثم أصبح لا يوجد مجال لإضافة تلك العبارة الخاصة باللغة، ذلك أنها كما قلنا تحصيل حاصل. وأغلب القوانين في العالم لا تنص على اللغة، إذ أن جذورها في تلك البلاد لا مجال لتغييرها، فلا مجال إذن للنص على لغتها, فلا يمكن أن نتصور صدور قانون يغير اللغة الرسمية لـ"مصر", أو أن اللغة العربية يمكن تغييرها.
على ذلك يكون ذكر اللغة العربية كلغة رسمية للبلاد تحصيل حاصل، ولا يكون أكثر من لغو قانوني لا أثر له ولا تأثير.
ثم يأتي بعد تلك الفقرة النص على أن دين الدولة الإسلام.
أولًا- الدولة شخص اعتباري، والشخص الاعتباري ليس له دين أو عقيدة، إذ أن الشخص الاعتباري لن يذهب إلى الجنة أو النار، كما أنه لا يمارس الرذيلة أو الفضيلة. فنسبة الدين إلى الشخص الاعتباري هو لغو لغوي لا معنى له ولا أثر أو تأثير. فلا يجوز إضافة نص إلى الدستور لا معنى له، بل هو من الناحية اللغوية لغو لا معنى له.
والجدير بالذكر في هذا المجال، أن إضافة هذه الفقرة لها تاريخ أخلاقي أيام وُجدت الأخلاق في "مصر". ذلك أن الفريق المسيحي في لجنة دستور سنة 1923 هو الذي أصر على إضافة هذه المادة، وذلك رغم اعتراض الفريق الإسلامي في اللجنة. والسبب في ذلك لا يحتاج إلى كبير عناء، ذلك أن الأخلاق آنئذ هي التي كانت تقود المجتمع. وقد رأى الفريق المسيحي أن أغلب المصريين يدينون بالدين الإسلامي، فتأكيدًا للترابط بين طوائف المجتمع، واعترافًا من المسيحيين أن أغلب المواطنين يدينون بالدين الإسلامي، فقد اقترحوا إضافة ذلك النص أن دين الدولة الإسلام. وقد حذر الفريق الإسلامي من هذه المادة تأسيسًا على أنها يمكن أن تسبب للمسيحيين مشاكل في المستقبل, إلا أن المسيحيين أصروا على إضافتها زيادة في الثقة والتقدير بين المسلمين والمسيحيين. وطبعًا كان يترسخ في عقيدتهم أن المواطنين المسلمين سيبادلونهم وفاءًا بوفاء ووطنية بوطنية.
لم يكن يتصور المصريون جميعًا، سواء مسلمون أم مسيحيون، أن الأمور والأخلاق سوف تتدهور
إلى الانهيار الذي وصلت إليه من فرقة وتفتت وانقسام في ظل أو بسبب تلك المادة، ذلك أنهم كانوا جميعًا وطنيون يحبون "مصر"، وينتمون إلى "مصر"، ولا ينظرون إليها نظرة احتقار وازدراء ويخاطبونها بلغة "طظ" في حماية كاملة من القائمين على تنفيذ القانون وحمايته. كما أنهم كانوا يدينون بالولاء– الولاء الوطني لمصر- ولا ينشدون عاصمة أخرى سوى "القاهرة". ذلك أنه كما قلنا أن عنصر الوطنية والولاء قد تلاشى مع تلاشى الأخلاق والقيم.
على ذلك، يكون النص على أن "دين الدولة الإسلام" نصًا خاطئًا من الناحية الدستورية، خاصةً وأن الدستور يخاطب المواطنين جميعًا، لا فرق بين مواطنين ومواطنين آخرين. فهذا النص لا يؤيد التساوي بين المواطنين بل على العكس يشحذ التفرقة بينهم.
أما النص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع, فهو قول خاطئ جملة وتفصيلًا؛ ذلك أن الدساتير قد أُنشئت لتعم الدولة المدنية، والدستور هو الرائد الأساسي لسن القوانين. وتلك القوانين تطبق على المواطنين كافة لا فرق بين مسلم ومسيحى. فلا معنى لتطبيق نص مسيحي على مسلم ولا نص إسلامي على مسيحي، ذلك أن الساتير كما سبق القول قانون أساسي تُسن في ظله وعلى هديه القوانين الوضعية جميعًا.
كذلك كما نعلم جميعًا أن تاريخ تلك المادة لم يكن إلا نكاية في المسيحيين بسبب كراهية "السادات" للبابا "شنودة", كما أنها كانت تقربًا للمتطرفين. كذلك كان يُقصد بها تحدي الناصريين، ذلك أن "السادات" كان يكره "عبد الناصر" كراهية ظل يضمرها قرابة عشرين عامًا، رغم أنه كان يتقرب ويتودد له. ولكن حين أتيحت له الفرصة كشر عن أنيابه وأفصح عن حقيقة ما كان يخفيه طيلة عشرين عامًا على الرئيس "عبد الناصر". على أي حال، هذه هي أخلاق المتطرفين جميعًا.
من ناحية أخرى، فإن النص على أن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع قد مسّت العدالة..