بقلم : د.ماجد عزت إسرائيل
في 1 يناير 2021م رحل عن عالمنا الفاني الراهب باسيليوس المقاري، وقد ولد في 7 يونيو 1934م وكان اسمه العلماني قبل الرهبنة "يسري لبيب اسكندر".
وكان يقطن بالقرب من الكنيسة البطرسية بمنطقة العباسية بالقاهرة، وتلقي تعليمه بمداس ذات المنطقة وبعد حصوله على الثانوية العامة إلتحق بكلية التجارة جامعة عين شمس قبل ثورة 23 يوليو 1952م وتخرج منها في عام 1955م، وبعدها بدأ حياته العملية فُعيِّن في مؤسسة التأمينات الاجتماعية بالقاهرة، وترقَّى بسبب كفاءته حتى صار رئيساً لإحدى إدارات المؤسسة.
وعرف عنه منذ الطفولة حبه لمدارس الأحد التي يرجع الفضل في نشأتها إلى الأرشيدياكون حبيب جرجس (1876-1951م)، والتي كان تهدف إلى ترسيخ العقيدة الأرثوذكسية في قلوب الأطفال، وتعليم الفضيلة، وتنمية التفاعل الأيجابي سواء الكنسي أو المجتمعي، فقد كانت هناك دروس أسبوعية، وحضور القداسات وتدريبهم على الإشتراك في العطاء، ومساعدة الفقراء، وزيارة المرضي،وتنظيم رحلات، وعمل أنشطة رياضية،وأيام روحية، ومؤتمرات روحية وخلافه. وساهمت مدارس الأحد في تكوينه وتنمية الجوانب الروحانية، وحب الخدمة والعطاء. ونذكر هنا أن يسري لبيب كان يتمتع بموهبة موسيقية كبيرة، وأيضًا حب الرحلات والخلوات، وحب القراءة والكتابة في العديد من المجالات الكنسية. وكذلك حب الخدمة بمدارس الأحد بالكنيسة البطرسية بالعباسية، ومنذ بداية خدمته تميَّز بالغيرة والأمانة والبذل.
ومن الجدير بالذكر في تلك الفترة تعرف على العديد من الأصدقاء وخاصة القائمين على خدمة مدارس الأحد بكنيسة الأنبا أنطونيوس بشبرا وآخرون من أصدقاء الدراسة وبعض رهبان الأدير نذكر منهم على سبيل المثال الراهب أنطونيوس السرياني قداسة البابا شنودة الثالث (1923-2012م) فيما بعد، الراهب متى المسكين (1919-2006م)، والأستاذ مرقس بطرس من مواليد 1933م حاليًا يعيش بألمانيا – كاتب هذه السطور ساهم في إحياء التواصل بين كل من الراهب باسيليوس المقاري وصديقه مرقس بطرس – ورفيق الرهبنة ومجلة مرقس الأب يوحنا المقاري.
وقد عاصر الأستاذ يسري لبيب - الراهب باسيليوس المقاري فيما بعد - كل من البابا يؤانس التاسع عشر البطريرك- رقم 113 (1928-1942م)، والبابا مكاريوس الثالث– البطريرك 114(1944-1945م) ،والبابا يوساب الثاني البطريرك رقم 115(1946-1956م)، والبابا كيرلس السادس البطريرك 116 (1959-1971م)، والبابا شنودة الثالث البطريرك 117- (1971-2012م)، وقداسة البابا الحالي "تواضروس الثاني البطريرك 118 (منذ 2012م- أطال الله عمره).
ومن الجدير بالملاحظة، في عام 1957م تقابل يسري لبيب وبعض أصدقائه مع الأب المستنير متى المسكين بالقاهرة فتحادثوا معه في شأن التكريس للخدمة مع البتولية، فقتراح أبينا متى بضرورة إنشاء بيت للمتبتلين المكرَّسين للخدمة، وبالفعل نجح هؤلاء الخدام في استأجر شقة في حدائق القبة، وكان ذلك في شهر نوفمبر ١٩٥٨. ثم توجهوا إلى قدسه في دير الأنبا صموئيل يوم٣١ ديسمبر١٩٥٨.والحقيقة أن السفر لدير الأنبا صموئيل بجبل القلمون لم يكن سهل مثل أيامناً هذا فحكي مرقس بطرس لكتاب هذه السطور أن الجمال أو المشي هما الاختيار الوحيد للوصول للدير.
على أية حال، بدأت حركة روحية في شقة حدائق القبة في أوائل عام 1959م.وبدأ الأب متى المسكين دعوته للشباب الراغبين في التكريس البتولي لتكريس حياتهم لخدمة الكنيسة بأن يعيشوا متبتلين في بيت واحد حياة الشركة، فيصلُّون معاً ويدرسون الآباء وينشرون كتابات آباء الكنيسة ثم ألا يخرجوا للخدمة إلا بعد أن يمتلئوا من الروح. وكان هدف المستنير الأب متى المسكين بناء العلاقة بين الخادم والرب يسوع، قبل التكريس وقبل الخدمة. والشركة الروحية التي أساسها المحبة وكلا السببين هم أساس بنيان الأديرة والكنائس والخدمة والحياة السليمة مع الرب يسوع.
وفي حبرية قداسة البابا كيرلس السادس – البطريرك 116 (1959-1971م) أصدر قرار بنزول جميع الرهبان من دير الأنبا صموئيل وأن يعودا لدير السريان ومعهم الأب متى المسكين فبعد رجوعهم أدركوا عدم الرغبة في وجودهم وبالفعل بعد سبعين يوماً تركوا الدير وعادوا للقاهرة في 9 أبريل 1960م، وبعدها سكن هؤلاء الرهبان وادي الريان بالفيوم ثم وادي غمير، وفي 14 نوفمبر 1961م اتخذ الآباء ومعهم الأب متى بيت التكريس بحلوان الذي كان في الأصل قصر من قصور الخديوي توفيق وكان مخصَّصاً للأميرات بناته، حيث أصبح بيت حلوان للتكريس متسع للأب متى المسكين ومتاح لاستقبال عشرات الخدام والمتبتلين لخدمة الكنيسة وللخروج إلى القرى والنجوع للتعليم والكرازة للقرويين المسيحيين الذين كانوا لا يعرفون شيئاً عن إيمانهم المسيحي.
وكان من ضمن هؤلاء المتقدمين للتكريس: الدكتور نصحي عبد الشهيد، والأستاذ يسري لبيب اسكندر، والأستاذ كمال حبيب – فيما بعد أنبا بيمن أسقف ملوي، والأستاذ نظمي بانوب (الراهب القس كرنيليوس المقاري فيما بعد، تنيح)، والأستاذ رفعت قديس -راهب بدير القديس أنبا مقار حاليًّا- وغيرهم الكثير.
ومنذ هذه الفترة نشأة علاقات قوية بين الأب متى المسكين والأستاذ يسري لبيب وربما كانت هذه العلاقة مرحلة تمهدية لرهبنته الأخير. للحديث بقية.