تتوالى تبعات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على مجتمع المال والأعمال في البلاد في خضم الضوابط الجديدة التي تعمل بها تلك الشركات في زمن ما بعد الانفصال، إذ بدأت الشركات تشعر بضغوط على أعمالها في ظل تلك الضوابط.
بيد أن شركات الموضة الشهيرة في البلاد التي كانت يوما ما تنعم بسوق أوروبي مفتوح لمنتجاتها بدأت تشعر أكثر من غيرها بتبعات الانفصال مع تلقي أعمالها في تلك الأسواق ضربة تلو الأخرى من القواعد التنظيمية الجديدة، بحسب تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.
"لقد كان الأمر كارثيا بكل ما تعني الكلمة" بهذه الكلمات وصف بن تايلور الشريك المؤسس لعلامة الملابس البريطانية الشهيرة Country of Origin أول شهر لأعمال شركته بعد الخروج رسميا من الاتحاد الأوروبي.
يقول تايلور للصحيفة "تلقى أحد العملاء داخل الاتحاد صفعة حينما دفع نحو 200 يورو كجمارك على أحد المنتجات المستوردة... ونتيجة لذلك توقفت الشركات عن الاستيراد. المبيعات في دول المنطقة تراجعت بنحو 58% عما كانت عليه قبل الخروج".
وبالنسبة إلى شركة تايلور المتخصصة في انتاج السترات الصوفية الملونة باستخدام الصوف البريطاني في مصنع الشركة الخاص في منطقة ميدزلاند البريطانية، فإن نحو 30% من طلبات الشركة عبر الإنترنت كان يأتي من داخل دول الاتحاد الأوروبي وهو الأمر الذي تغير اليوم في خضم إطار التعاون الاقتصادي والتجاري الجديد بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي في زمن ما بعد "البريكسيت".
صيحة استغاثة
وفيما بدا أنها صيحة استغاثة من شركات الموضة البريطانية التي باتت تئن في زمن ما بعد الخروج، أرسل كبار المصنعين في مجتمع الأعمال البريطاني في قطاع الموضة رسالة مفتوحة إلى رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون للعمل على إيجاد صيغة تضمن استمرارية أعمالهم.
"معرضة لخطر الهلاك"... هكذا وصف نحو 451 من كبار الشخصيات في عالم تصنيع المنسوجات البريطاني بما في ذلك عدد من كبار عارضات الأزياء وضع صناعاتهم في زمن ما بعد البريكسيت في الخطاب الموجه إلى رئيس الوزراء البريطاني مناشدين إياه بسرعة التدخل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وقال كبار المصنعين في خطابهم الموجه إلى رئيس الوزراء البريطاني إن تلك الصناعة تساهم بنحو 35 مليار جنيه إسترليني للناتج المحلي الإجمالي البريطاني بالإضافة إلى مساهمتها في توظيف نحو مليون بريطاني في سوق العمل.
وفي الرسالة الموجهة إلى جونسون، طالبت المصممة البريطانية الشهيرة كاثرين هامنيت، والمشهورة بقمصانها التي تحمل شعارات سياسية، رئيس الوزراء البريطاني بسرعة التدخل و"إجراء إصلاحات جذرية للترتيبات الجمركية على البضائع البريطانية التي يتم شحنها إلى دول الاتحاد الأوروبي وإلا ستواجه العلامات التجارية البريطانية "خطر الموت".
الصادرات على المحك
وتشير إحصاءات رسمية بريطانية أن نحو 42% من صادرات قطاع المنسوجات وعلامات الموضة البريطانية موجهة نحو الاتحاد الأوروبي ما يمثل لطمة قوية للقطاع الذي يحاول عن كثب البحث عن مخرج لتلك الأزمة مع الحكومة البريطانية.
ويقول بول سميث أحد مصنعي العلامات التجارية البريطانية الشهيرة "نقدر أن تلك التغييرات ستكبدنا ملايين الجنيهات كل العام... إنها ليست صفقة تجارة حرة فيما يتعلق بالتكلفة في الوقت الحالي يتعين علينا دفع الرسوم والتعريفات الإضافية للإبقاء على الزبائن والحفاظ على تنافسية منتجاتنا".
ويبحث سميث يبيع غالبية منتجاته في دول الاتحاد الأوروبي وبالتحديد في فرنسا وإيطاليا عن مخرج لتلك الأزمة مع دراسة كافة الخيارات المتاحة بما في ذلك التصنيع خارج بريطانيا من أجل تفادي تلك الرسوم التي تلقي بظلالها على أعمال شركته.
وقال سميث للصحيفة "بمجرد أن ننتهي من تقييم آثار الصفقة الجديدة مع الاتحاد الأوروبي. نتوقع حدوث تغييرات في استراتيجيتنا للعمل خلال الفترة المقبلة".
الأزياء أم الأسماك
وحمل الخطاب الموجه إلى رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون اتهامات بتجاهل الصناعة بوجه عام مقارنة مع ما حدث مع صناعة الأسماك التي ظلت لشهور طويلة في قلب الحوار الدائر بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي للوصول إلى صفقة تجارية.
وقال كبار المصنعين في الخطاب "غالبا ما يتم تهميش صناعة الموضة... كم عدد العناوين التي قرأناها في الصحف حول صناعة صيد الأسماك. صناعة الموضة أكثر قيمة من صناعة السيارات والأفلام والموسيقى وصيد الأسماك مجتمعة".
وتابع المصنعون في رسالتهم لرئيس الوزراء البريطاني " يمكن مقارنة دخل صناعة صيد الأسماك بأكملها مع دخل علامة هارودز لتقف على حقيقة الأمر".