الخميس ١٩ يوليو ٢٠١٢ -
٠٠:
١٢ ص +02:00 EET
بقلم : إسماعيل حسني
لم يدر بخلد كل من شارك في ثورة 25 يناير أن ترتد بنا الثورة إلى زمن يضطهد فيه الإنسان أخيه الإنسان، ولكن هذا ما يبدو أننا نسعى إليه.
فلم تستنكف لجنة الحقوق والحريات بالجمعية التأسيسية للدستور أن ترفع للجنة العامة اقتراحا بنص يقصر الحق في ممارسة الشعائر الدينية على أتباع الأديان السماوية الثلاثة ، ويحظر هذا الحق على أتباع الديانات الأخرى، ليصبح نص المادة: "حرية العقيدة مطلقة وتكفل الدولة حرية إقامة الشعائر الدينية لأصحاب الديانات السماوية الإسلام والمسيحية واليهودية"، والأنكى أن تتم الموافقة على إحالة نص كهذا بإجماع أعضاء اللجنة عدا عضوين فقط !
ورغم أن فكاهة النص حين يطلق حرية العقيدة في شطره الأول ثم يقيدها في شطره الثاني تجعل من الحكم بعدم دستوريته شيئا مؤكدا، إلا أن ما فيه من سوء نية ومن تربص بمدنية الدولة يجعلنا نتوقف عنده لندق أجراس الخطر.
فلا تقتصر الخطورة هنا على مخالفة النص للمبدأ الإنساني والقرآني "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، ولا مخالفته للمادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على إطلاق حرية التفكير والدين وإظهار الدين وإقامة الشعائر لكل إنسان وهو ما أكدته المادة 46 من دستور 1971 وما قبلها من دساتير حكمت مصر، ولكن خطورته تتجاوز هذه المثالب إلى منكرات أشد، نذكر منها:
أولا: تقنين التمييز والإضطهاد الديني واعتبارهما مبادئ دستورية، فيكون من حق الطغمة الحاكمة أن تسيطر على ضمائر البشر وتحدد علاقتهم بربهم والأديان والمذاهب المسموح لهم باعتناقها تحقيقا للنقاء الديني، على غرار ما كانت الكنيسة تقوم به من تطهير ديني ومذهبي في العصور الوسطى في أوروبا، وما يستتبع ذلك من إطلاق يد الأجهزة الأمنية للتفتيش في عقائد الناس وخلجات قلوبهم ومراقبة سلوكياتهم وتصرفاتهم واجتماعاتهم الخاصة.
ثانيا: الإساءة للأديان الثلاثة ذاتها حين يوكل مهمة حمايتها من منافسة الأديان الأخرى إلى القانون والبوليس وليس إلى مبادئها السامية وقوة إيمان أتباعها بها.
ثالثا: إشعال الصراع والتناحر المذهبي في البلاد. حيث لن يقتصر الأمر على منع أتباع ديانات كالبهائية والبوذية والهندوسية من إقامة شعائرهم، بل سيمتد إلى المذاهب المختلفة داخل الدين الواحد، حيث أن المتشددون في جميع الأديان يرون المذاهب المخالفة لمذهبهم هرطقات ينبغي مكافحتها وإنزال العقاب بأتباعها، كما هو الحال في موقف السلفيين المسلمين من الصوفية والإثنى عشرية والزيدية والإسماعيلية وغيرها، وموقف غلاة الأرثوزوكس من البروتستانت والكاثوليك وشهود يهوا إلخ.
رابعا: أنه يجعل من مصر دولة طاردة وليست جاذبة للعلوم والخبرات ورؤوس الأموال. فالدول الكبرى لم تنهض أو تتقدم إلا بعد أن فتحت أبوابها وقلوب أبناءها للنابهين والأغنياء من كل عرق ودين ومذهب لكي يستوطنوها ويساهموا بعقولهم واستثماراتهم في بناء نهضتها. وهؤلاء بدورهم لا يذهبون إلا حيث تحترم إنسانيتهم وثقافاتهم وحيث يشعرون بالحرية والعدالة والمساواة، ويفرون من البلاد التي تعاملهم بتمييز ودونية. فالهندوسي أو البوذي يذهب إلى أوروبا وكندا واستراليا لأنها تسمح له ببناء بيتا ومصنعا ومعبدا ومدرسة لأبنائه، فيستقر فيها، ويمنحها ولاءه، ولا يقوم بتهريب الأرباح التي جناها فيها لخارجها بل يعيد استثمارها فيها لأنه يشعر أنها بلاد يمكن أن يورث أبناءه وأحفاده فيها ماله وحياة حرة كريمة، فيحدث التراكم الرأسمالي والعلمي المطلوب وتتقدم البلاد وتنهض.
أما الدول التي تحكمها أنظمة فاشية تتدخل في حريات وعقائد أبناءها فهي دول محكوم عليها بالتأخر والفشل والإنقسام والتلاشي، لأنها دول طاردة، يهرب منها أبناءها ولا يأتيها من خارجها إلا قناصوا الفرص والمغامرون والمحتالون.