يوسف سيدهم
يتابع الرأي العام والإعلام بقدر ملحوظ من الاهتمام والتقدير فعاليات جلسات مجلس النواب منذ بدء انعقاده قبل أسبوعين وبعد انتهائه من الجلسات الإجرائية التي أسفرت عن انتخاب رئيس المجلس ووكيليه وتشكيل اللجان… ذلك لأن المجلس علي غير المتوقع أو المعهود فاجأنا جميعا بما يصلح أن يوصف بتحريك المياه الهادئة -ولا أقول المياه الراكدة- بانطلاقه في ممارسة دوره الرقابي علي السلطة التنفيذية بدلا من تركيزه علي دوره التشريعي الذي عهدناه وغلب علي أدوار الانعقاد في الفصل التشريعي الأول.
فوجئنا جميعا بطلب المجلس حضور رئيس مجلس الوزراء والوزراء ليقدموا تقاريرهم عن الإنجازات التي تحققت وتلك التي تعثرت وغيرها التي لا تزال رهينة التنفيذ, وكان واضحا أن المجلس لا يمارس دوره الرقابي هذا بشكل زخرفي لمجاملة السلطة التنفيذية والاحتفاء بإنجازاتها, إنما يفعل ذلك بقدر كبير من الجدية ورصد السلبيات والإخفاقات ومحاسبة رئيس الوزراء والوزراء كل في موقعه علي شتي أوجه القصور في تنفيذ الخطط التي التزموا بها والأهداف المبتغي تحقيقها.
وسط هذا الزخم من الأداء البرلماني قد يعتقد البعض أن الدور التشريعي للمجلس ستتم تنحيته جانبا لحساب الدور الرقابي, لكن الحقيقة أن الدور التشريعي آت لا ريب في ذلك وستفرضه متطلبات العمل الوطني جنبا إلي جنب مع الأجندة التشريعية التي ستتقدم بها الحكومة علاوة علي ما سوف يتقدم به أعضاء البرلمان من مقترحات… ولعل من يراجع حلقات هذه السلسلة من مقالات كشف حساب عام مضي .. وقضايا نحملها إلي عام جديد لن يفوته إدراك بعض ملامح هذه الأجندة التشريعية ومنها:
* قانون الأسرة الخاص بالأحوال الشخصية للمسيحيين
* قانون تعديل الإيجارات القديمة للأماكن غير السكنية
* قانون تعديل الإيجارات القديمة للأماكن السكنية
* تشريعات وقرارات ضبط السير في الشارع المصري.. والأهم في ذلك الخصوص تفعيل آليات الرقابة والمساءلة لتوطيد سلوكيات السائقين علي احترام القوانين بدلا من استباحة مخالفتها والاستهانة بها في غيبة تلك الرقابة اليقظة.
اليوم أتعرض لملف جديد في سلسلة القضايا التي نحملها إلي العام الجديد وهي قضية النفايات البلاستيكية التي انتفضت لها حكومتنا في منتصف عام 2019 مطالبة البرلمان التصدي لها بإصدار تشريعي يحد من الانسياق غير المنضبط في استخدام منتجات البلاستيك وتطبيق سياسات من شأنها الاستثمار في مشروعات تجميع وإعادة تدوير نفايات البلاستيك لوضع حد للتدهور البيئي الناجم عن تلك النفايات والمتفشي في غالبية دول العالم -باستثناء القليل المتحضر منها -والتي لا تخلو بحار أو محيطات من تجمعاته المرعبة وأضرارها الجسيمة التي تحيق بالحياة البحرية والمعايير البيئية.
بالرغم من إلحاح هذه القضية والمخاطر الجمة التي تنطوي عليها حالت الأعباء التشريعية الملقاة علي عاتق مجلس النواب دون التصدي لها وانتقلت عبر ثلاثة فصول تشريعية ليرثها مجلس النواب الجديد.. والأمل أن تحظي بالاهتمام الواجب تحت القبة وتسفر عن مجموعة من التشريعات التي تعالج جوانبها المختلفة مثل:
** الحد من شيوع استخدام البلاستيك في سائر مجالات الإنتاج والتعبئة والتغليف وذلك ينبع من إدراك صعوبة السيطرة علي مخلفاته وعدم تحللها في الطبيعة وعدم وجود رؤي علمية واضحة لإعادة تدويرها… وقد سبقتنا في هذا الصدد دول كثيرة قلصت تماما إنتاج واستخدام البلاستيك لتحل محله المنتجات الورقية والكرتونية والزجاجية والخشبية وحتي المعدنية والتي يسهل إعادة تدويرها فلا تساهم في تلوث البيئة أو الإضرار بالحياة البرية.. ومن المعروف في هذا الصدد أن من أكثر صور الانفلات في استخدام البلاستيك والتخلص منه في سلة المهملات أكياس البلاستيك مختلفة الأشكال والأحجام المتفشية في جميع الأسواق التجارية, ويتطلع المهمومون بهذه القضية إلي اليوم الذي تعود فيه الأكياس الورقية أو الكرتونية أو حتي الحقائب المنسوجة والجلدية لتسود في العلاقة بين البائع والمشتري في أسواقنا.
** وضع الخطط العاجلة التي من شأنها التعامل مع جبال نفايات البلاستيك التي تجثم علي صدر مقالب القمامة في بلادنا وتستعصي علي جهود الفرز وإعادة التدوير وتترك للطبيعة التي ترفض استيعابها فتتولي الرياح بعثرتها وتشتيتها في كل حدب وصوب لتشكل كارثة بيئية سواء كان ذلك علي البر أو في البحر.
** لن يستقيم الحد من استخدام البلاستيك دون وضع سياسات جادة وخطط عملية لإعادة تحويل وتوطين صناعات البلاستيك التي ترسخت في بلادنا عبر أكثر من نصف قرن من الزمان, وتستحوذ علي مئات الملايين من الجنيهات في استثماراتها وتوفر ملايين من فرص العمل في شتي كوادر التصميم والإعداد والإنتاج والتوزيع… ويتحتم لإنجاح أية سياسات لتقليص استخدام البلاستيك أن تواكبها سياسات لإعادة توطين تلك الصناعة ووضع معايير تحفيزية لتحولها إلي صناعة مماثلة تنتج مواد غير مضرة بالبيئة.
*** هذه قضية أخري مهمة نحملها معنا إلي العام الجديد ونضعها في عهدة البرلمان الجديد… وهناك في هذا الصدد قضايا كثر.