قصّة للأطفال من وحي الكورونا : زهير دعيم

 
ترك راضي الصغير كتابه من يده ، وهو يتذمّر بمرارة قائلًا : 
أفٍّ ... لقد مللْتُ وتعبْتُ من الكورونا ومن البقاء في البيت، الى متى سنبقى هكذا ؟!
 
  وراح يصرخُ وينادي: 
ماما ، ماما أنا " زهقان"  أنا تَعِبٌ ، تعالي العبي معي.
 وتضحك الأمّ من بعيدٍ : حالًا يا صغيري ، حالما أنتهي من إعداد الطّعام.
 
 ويتذمّر راضي من جديد ، وتكاد الدّموع تطفر من عينيه .
 
  وراضي طفل جميل في الثامنة من عمره ، وحيد والديْه ، خلوق ومؤدّب ونشيط في دروسه ، تعمل أمّه معلّمة في المدرسة التي يدرسُ بها ، ويعمل أبوه طبيبًا في المشفى القريب من بلدته.
 
 وكثيرًا ما أعجب راضي بمهنة أبيه قائلًا : أريد أن أصبحَ طبيبًا مثلك يا أبي !
 فيضحك الأب : أنصحك يا صغيري أن تفتّش عن مهنة أخرى ، فمهنة الطبّ  جميلة ، ولكنها شاقّة وصعبة.
 
 وعاد راضي ينادي أمّه من جديد : ماما ماما  تعالي ... لقد مللت ، الى متى سيبقى هذا الحَجْر  وهذه العُزلة ؟!!.. 
ويأتي صوت الأمّ من المطبخ قائلًا :  عشر دقائق يا صغيري  وأشاركك كما في كلّ يوم الألعاب والفعاليّات.
 
ويتضايق راضي وهو يتذكّر أقوال أصدقائه من خلال الهاتف ، فهذا يلعب مع أبيه كرة القدم ، وذاك يحضر معه مُسلسلًا جميلًا وآخَر....  إلّا هو فمنذ أيامٍ عدّة لم يرَ أباه ، وكيف يراه  وهو يعمل في المشفى ، حيث اضطرته الظروف والكورونا أن يغيب عن البيت.
 
أخذَ  راضي يلوم  في نفسه أباه ومهنته وتقصيره ويقول : لا... لن أصبح طبيبًا ، فهي مهنة غير مُحبّبة وشاقّة.
 
 وعاد  راضي يصرخ من جديد : 
ماما...  ماما ... 
 
 وجاءت الأم على عَجَل وعانقته بحرارة معتذرة : أعذرني يا حبيبي ، فقد انتهيت الآن من اعداد المُحمّر الذي تحبّه ، وسنأكله ساخنًا مع الحساء أنا وأنت وأبوك،  الذي سيصل من المشفى في كلّ لحظة.
 
 وما أن سمع كلمة " والدكَ "  حتى هزّ رأسه بحزنٍ ممزوجٍ بالشّوقِ والفرح. 
 
 قام راضي الى الشّرفة منتظرًا أباه ، فإذا به ينزل من السيّارة والتصفيق الحارّ يملأ الحارة ، فرفع راضي رأسه الى فوق فإذا بالحارة كلّها  تقف على  الشرفات تحيّي وتصفّق لأبيه تصفيقًا حارًا وهو يلوّح لهم شاكرًا.
 
 وصفّق راضي بحرارة ، واغرورقت عيناه بالدموع وهو يهرول نازلًا الدرجات مرحّبًا بأبيه : بابا ، بابا .. أنا فخور بك ..  أنا فخور بكَ .. أريد أن أصبح طبيبًا مثلك.. 
 
 وابتسم الاب ابتسامةً كبيرةً ملأى بالحبِّ والحنان.