إعداد / نجيب محفوظ نجيب.
وُلدت القديسة العذراء مريم بمدينة الناصرة حيث كان والداها يقيمان، وكان والدها متوجع القلب لأنه لم يكن ينجب. وكانت حنة أمها حزينة جدًا فنذرت لله نذرًا وصلَّت إليه بحرارة وإنسحاق قلب قائلة: "إذا أعطيتني ثمرة فإني أقدمها نذرًا لهيكلك المقدس".
فلما جاء ملء الزمان المعين حسب التدبير الإلهي أٌرسِل ملاك الرب وبشر يواقيم والدها الذي أعلم زوجته حنة بما رأى وسمع، ففرحت وشكرت الله، وبعد هذا حبلت وولدت القديسة العذراء وأسمتها مريم.
لما بلغت القديسة العذراء مريم من العمر ثلاث سنوات مضت بها أمها حنة إلى الهيكل حيث أقامت إثنتي عشرة سنة، كانت تقتات خلالها من يد الملائكة. وإذ كان والداها قد تنيحا تشاور الكهنة لكي يودعوها عند من يحفظها، لأنه لا يجوز لهم أن يبقوها في الهيكل بعد هذه السن.
فقرروا أن تخطب رسميًا لشخصٍ يحل له أن يرعاها ويهتم بشئونها، فجمعوا من سبط يهوذا اثني عشر رجلاً أتقياء ليودعوها عند أحدهم وأخذوا عصيهم وأدخلوها إلى الهيكل، فأتت حمامة ووقفت على عصا يوسف النجار، فعلموا أن هذا الأمر من الرب لأن يوسف كان صِديقًا بارًا، فتسلمها وظلت عنده إلى أن أتى إليها الملاك جبرائيل وبشرها بتجسد الأبن الكلمة منها.
بعد صعود السيد المسيح إلى السماء، إذ كانت القديسة العذراء مريم ملازمة الصلاة في القبر المقدس ومنتظرة هذا الوقت السعيد الذي فيه تُحَل من رباطات الجسد، أعلمها الروح القدس بإنتقالها سريعًا من هذا العالم الزائل.
ولما دنا الوقت حضر التلاميذ وعذارى جبل الزيتون، وكانت القديسة العذراء مريم مضطجعة على سريرها وإذا بالسيد المسيح قد حضر إليها وحوله ألوف من الملائكة، فعزاها وأعلمها بسعادتها الدائمة الذاهبة إليها، فسُرَّت بذلك ومدت يدها وباركت التلاميذ والعذارى، ثم أسلمت روحها الطاهرة بيد أبنها وإلهها فأصعدها إلى المساكن العلوية. أما الجسد الطاهر فكفنوه وحملوه إلى الجسمانية، وفيما هم ذاهبون به اعترضهم بعض اليهود ليمنعوا دفنه، وأمسك أحدهم بالتابوت فأنفصلت يداه من جسمه وبقيتا معلقتين حتى آمن وندم على سوء فعله، وبتوسلات التلاميذ القديسين عادت يداه إلى جسمه كما كانت.
لم يكن توما الرسول حاضرًا وقت نياحتها وأتفق حضوره عند دفنها فرأى جسدها الطاهر مع الملائكة صاعدين به، فقال له أحدهم: "أسرع وقبِّل جسد القديسة العذراء مريم الطاهرة "، فأسرع وقبَّله.
وعند حضوره إلى التلاميذ أعلموه بنياحتها فقال لهم : "أنا لا أصدق حتى أعاين جسدها، فأنتم تعرفون كيف شككت في قيامة السيد المسيح". فمضوا معه إلى القبر وكشفوا عن الجسد فلم يجدوه فدهش الكل وتعجبوا، فعرَّفهم توما الرسول كيف أنه شاهد جسد القديسة العذراء مريم الطاهرة مع الملائكة صاعدين به، وقال لهم الروح القدس: " إن الرب لم يشأ أن يبقى جسدها في الأرض ". وكان الرب قد وعد رسله الأطهار أن يريها لهم في الجسد مرة أخرى، فكانوا منتظرين إتمام هذا الوعد الصادق حتى اليوم السادس عشر من شهر مسرى حيث تم الوعد لهم برؤيتها. وهي جالسة عن يمين أبنها وإلهها وحولها طغمات الملائكة وتمت بهذا نبوة داود القائلة: "قامت الملكة عن يمين الملك ".
وكانت سنو حياتها على الأرض ستين سنة أمضت منها اثنتي عشرة سنة في الهيكل وثلاثين سنة في بيت القديس يوسف البار وأربعة عشرة سنة عند القديس يوحنا الإنجيلي كوصية الرب القائل لها: "هذا ابنك" وليوحنا: "هذه أمك".
قد بنيت أول كنيسة على أسم القديسة العذراء مريم الطاهرة بمدينة فيلبى، وذلك أنه لما بشر الرسولان بولس وبرنابا بين الأمم آمن كثيرون منهم بمدينة فيلبي وبنوا فيها كنيسة على اسم البتول القديسة العذراء مريم الطاهرة والدة الإله.
باركت القديسة العذراء مريم الطاهرة والدة الإله أرض مصر ببركة خاصة مرتين: الأولى في إختصاصها مصر للهروب إليها مع الطفل يسوع ويوسف النجار من وجه هيرودس، والثانية في تجليها في مناظر روحانية نورانية داخل قباب الكنيسة المكرسة و المدشنة بأسمها الطاهر في منطقة الزيتون من ضواحي مدينة القاهرة وفوقها وذلك في يوم 2 إبريل سنة 1968م (24 برمهات سنة 1684 ش) والذي أستمر لعدة ليالي متوالية.
تُعيِّد الكنيسة بتذكار ميلادها في يوم الأول من بشنس، وتذكار دخولها الهيكل في الثالث من شهر كيهك، وتذكار نياحتها في الحادي والعشرين من شهر طوبة، وتذكار صعود جسدها إلى السماء في يوم السادس عشر من شهر مسرى، وتذكار بناء أول كنيسة على أسمها في الحادي والعشرين من شهر بؤونة، وتذكار تكريس الكنيسة التي كرست بأسمها فى دير المحرق والتي باركها السيد المسيح بحلوله فيها مع تلاميذه وقت تكريسها في السادس من شهر هاتور، وتذكار تجليها في كنيسة الزيتون في 24 برمهات.