اعداد: سليمان شفيق
صورة في كتاب مدرسي تثير جدلا واسعا حول الإصلاحات في السودان.
يثير كتاب مدرسي جديد يتضمّن صورة لجدارية "خلق آدم" لمايكل آنجلو جدلا واسعا في السودان الساعية حكومته الانتقالية إلى طي صفحة الحكم الإسلامي الذي كان يقوده الرئيس المخلوع عمر البشير
انطلقت حكومة الخرطوم في رحلة إصلاحات جوهرية مثيرة للجدل، في مسعى منها لتعزيز مكانتها دوليا وإنقاذ اقتصادها المتداعي، لكن هذا الأمر وضعها في مواجهة مع شريحة تعتبر أن الإصلاحات معادية للإسلام.
وأصبحت الصورة المنشورة في كتاب التاريخ للصف السادس الابتدائي، مادة دسمة لجدل واسع.
وأصدر مجمع الفقه الإسلامي في السودان فتوى "يحرّم" بموجبها "تدريس هذا الكتاب لاشتماله على مخالفات خطيرة وعظيمة" أولها الإساءة القبيحة للذات الإلهية".
وتصور لوحة "خلق آدم" التي رسهما مايكل آنجلو بتقنية التصوير الجصي بحسب الإنجيل القصة الواردة في سفر التكوين حين نفخ الله الحياة في آدم. وتُعد "خلق آدم" إحدى أبرز لوحات عصر النهضة في القرن السادس عشر، وهي تزيّن جزءا من سقف كنيسة سيستين الشهيرة في الفاتيكان.
وسيدنا آدم يعد أول نبي في الاسلام والذي لا يجيز تصوير الأنبياء والرسل والصحابة وتجسيدهم في الأعمال الفنية
ومن بين المخالفات التي تشير فتوى مجمع الفقه الإسلامي إليها "تمجيد الكتاب للثقافة الغربية بصورة تجعلها هي ثقافة العلم والحضارة، عكس عرضه للثقافة الإسلامية".
- شيوخ غاضبون -
ووجّه شيوخ غاضبون انتقادات للكتاب، ولإصلاحات طاولت المناهج التعليمية.
وأظهر فيديو تم تداوله على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، شيخا يلوح بالكتاب خلال صلاة الجمعة معتبرا أنه يدعو إلى "الردة" و"الهرطقة". وحض شيخا آخر أتباعه على "حرق الكتاب".
لكن آخرين دافعوا عن التعديلات التي اعتبروها ضرورية لإصلاح المناهج التعليمية.
واعتبرت المدرّسة قمرية عمر في تصريح لفرانس برس أن الصورة ليست منشورة في كتاب ديني"، مضيفة "إنها منشورة في كتاب تاريخ للصف السادس ابتدائي، في قسم بعنوان النهضة الأوروبية، وهو ما يجعلها ضمن السياق".
والمدرِّسة عضو في تجمّع المهنيين السودانيين، الهيئة التي شكّلت رأس حربة خلال الانتفاضة الشعبية ضد البشير.
وقالت "لن تدفع صورة الناس إلى نبذ دينهم ولن تهز معتقداتهم"، وأضافت أن "المنهج الدراسي يحدده خبراء التعليم بناء على أسس علمية".
لكن الاحتجاجات أثرت على السلطات.
وتدفع حكومة عبدالله حمدوك الانتقالية التي يشكل المدنيون غالبية أعضائها باتجاه إصلاحات ترمي إلى التخلّص من ممارسات القمع والتشدد الإسلامي القائمة منذ عقود.
لكن الحكومة جمّدت في السادس من يناير العمل بمقترحات تعديل المنهج الدراسي وقررت تشكيل لجنة تمثل كل شرائح المجتمع لوضع مقترحات جديدة.
وقال عضو مجمع الفقه الإسلامي عادل حمزة إن قرار حمدوك "حل القضية".
إلا أن هذا القرار أثار غضب الإصلاحيين، واستدعى استقالة عمر القراي، مدير المركز القومي للمناهج الذي أعد التعديلات على المناهج الدراسية.
وجاء في بيان استقالته "أجد نفسي غير مستعد للاستمرار مع حكومة جاءت بها ثورة شعبية، ثم ضعفت أمام المكون العسكري ورضخت لضغوط فلول النظام المدحور".
- "قضية رأي عام" -
يقول محللون إن القضية أظهرت انقسامات أعمق بعد عقود من الحكم المتشدد بقيادة البشير الذي وصل إلى الرئاسة بانقلاب دعمه الإسلاميون في العام 1989
وتشدّدت حكومته في تطبيق الشريعة الإسلامية، وقد حظرت شرب الكحول وارتداء النساء ملابس "غير محتشمة".
والسودان بلد ذو غالبية مسلمة، وفيه أقلية مسيحية وأقليات أخرى.
وقال المحلل السوداني عثمان ميرغني "إن الخلاف حول اللوحة وإدراجها في كتاب التاريخ مسألة تقنية للغاية، يجب أن تكون محصورة بخبراء التعليم"، مضيفا "لكنها أصبحت قضية مجتمع ورأي عام".
وحمّل ميرغني، رئيس تحرير صحيفة "التيار" اليومية المستقلة، الحكومة الانتقالية مسؤولية "الفشل" غالبا "في اعتماد الخطاب السياسي المناسب، خصوصا في مسائل تلامس قضايا حساسة".
والأربعاء الماضي وقعت الخرطوم اتفاق تطبيع العلاقات مع إسرائيل، بعد مرور أقل من شهر على شطب واشنطن السودان من قائمة "الدول الراعية للإرهاب".
والعام الماضي ألغت الحكومة "قوانين النظام العام" التي تتيح للشرطة اتخاذ تدابير بحق أشخاص يرتدون ملابس "غير محتشمة" وسمحت لغير المسلمين بشرب الكحول.
كذلك الغت الحكومة عقوبة الردة
وأثارت تلك الإصلاحات احتجاجات شعبية اعتبر المشاركون فيها أن القرارات الحكومية "معادية للإسلام".
وقال ميرغني إن "الإسلاميين يلعبون عادة على الوتر الديني وهو موضوع بالغ الحساسية في المجتمع السوداني"، وأضاف إن "الحكومة الانتقالية تميل إلى التغاضي عن هذا الأمر، وعليها أن تكون أكثر حذرا، لأن النزاعات بين الإسلاميين والليبراليين ستبقى قائمة بقوة".