بقلم: أرنست أرجانوس جبران
أثناء كتابة هذا المقال ..وبينما الحال فى مصرنا الغالية بين القيل والقال ..والجميع بين المؤيد والمعارض لفوز الدكتور محمد مرسى كأول رئيس يتم تنصيبه عن طريق الإنتخاب .. والذى تصادف أن يكون من جماعة الإخوان المسلمين .. والله أعلم إن كان الانتخاب صادقاً نزيهاً من التزوير والتزاوير والمياه العكرة التى فى الزير..وهنا بدأت إرهاصات المسيحيين ومعهم اللبراليون والمعتدلون فى التكهنات السلبية .. كيف يكون حال مصر عندما وصلت جماعة الاخوان المسلمون الى الحكم .. وعندما يذوقون ويتذوقون طعم لذة الجلوس على الكراسى الوثيرة .. والسلطة التى تأمر بالمعروف و تنهى عن الفحشاء والمنكر .!!
نعم ..اليوم ، يوم الأحد الموافق 1 يوليو من هذا العام 2012 الموافق.. 11 شعبان .. والذى يوافق أيضاً 24 بؤونة من السنة القبطية المسيحية .. وكما تعودت أن أقطع ورقة قراءآت اليوم من المحبوبة "نتيجة المحبة"..والتى أذكرها وأتذكرها دائماً بشكلها المميز منذ نعومة الأظافر التى كانت تحملها أصابع صغيرة عندما كانت تلك اليد الصغيرة تمسك نفس أوراق النتيجة أيام كنت طفلاً .. هذه هى "نتيجة المحبة" التى لا ولن تتغير مدى الأجيال والعصور سوى صورة الأيقونة حاملة ال365 أو366 يوماً بوريقاتها .. نعم ..وأثناء تكوين فكرة كتابة هذا المقال ، لفت انتباهى إجتماع الثلاث انواع من "التقاويم" .. التقويم الهجرى العربى والأفرنجى ثم التقويم القبطى ..قلت فى نفسى، هكذا كانت وهكذا تكون المحبة فى "نتيجة المحبة" لقاء بين ثلاث فِرَق ..تتعامل معاً كل يوم طوال أيام السنة.. فنتيجة المحبة الصادقة النابعة من القلب ، والتى علمنا إياها الكتاب المقدس ، سلام دائم يملأ النفس.. وهنا أسأل وأتساءل ..هل بالإمكان ونحن فى هذه الأيام المليئة بالتوجهات الإسلامية ، هل يمكننا أن نجد " نتيجة " إسلامية أى مطبوعة بواسطة جهة إسلامية ، وهذه الجهة تسمح بوضع الثلاث تقاويم معاً؟ .. أو بمعنى آخر هل تسمح بوضع التقويم الهجرى الإسلامى مع التقويم القبطى المسيحى !!.. بالطبع أننى لم أرها حتى هذه اللحظة .. و لا أعتقد أننى سأراها فى يوم من الأيام .. فى عالم متأسلم متعصب، ولاسيما فى هذا الزمن الأغبر ..الذى إمتلأت فيه إعلانات سبل الكراهية ضد المسيحية والمسيحيين .. كم من المرات شاهدنا الشيوخ وفتاواهم التى تهدر كرامة المسيحية والمسيحيين .. بل تروح وتجئ بأفكار غريبة تقشعر لها وتتقزز منها الأبدان ..
ففى هذه الأيام والتى يكثر فيها الهرج والمرج عما ستفعله القيادة الرئاسية المصرية ، جاء أحد الاصدقاء قائلاً لى: لماذا لا نقرأ لك؟ ..لماذا لا تكتب فى الأمور السياسية الجارية..!! .. وهنا أرد عليهم قائلاً أكتب .. أكتب ماذا .. وعن ماذا ..!! فهم يعتقدون بأننى سياسى أفهم فى السياسة .. فى حين أن الواقع يقول غير هذا ، فى الحقيقة أننى أجهل من دابة يُقال لها " حا .. شى .." فى السياسة .. فكل ما هناك ، إن كل ما أكتبة إنما هو تعبير شخصى عن الحقائق التى تصحبها المشاعر الجياشة ليس إلا ..والآن .. ماذا تريدوننى أن أكتب ..هل أكتب عن تصريح ذلك المسئول الإخوانى .. الذى يريد تطبيق الشريعة الإسلامية على المسيحيين وإلزامهم بدفع الجزية " عن يد وهم صاغرون " !! .. أم أكتب عن ذلك الشيخ الذى يريد إلزام السيدات بعدم الجلوس على المقاعد بحجة أن الشيطان سوف .." ولا بلاش "..!! ..والآخرون ينادون بوجوب إرتداء الحجاب لجميع السيدات والبنات .. و منهم من قال لابد من إزالة التماثيل لأنها تعتبر أصناماً يجب التخلص منها .. و بمناسبة التماثيل .. قال آخرون إن التمثيل حرام .. وآخرون يقولون ..لابد من إزالة الصلبان من أعلى منارات الكنائس.. اليهود والنصارى أحفاد القردة والخنازير ..لا ولاية لكافر على مسلم ..عدم الإختلاط فى المدارس ..والبقية تأتى ..وما خفى أعظم ..وا أسفاه ..مصرنا الغالية ستكون كالسعودية ..لا يجوز سفر النساء بمفردهن أى بدون محرم .. وفى هذا السياق ، وكما قال بعضهم .. بقى لهم ، أن يصدروا فتوى مؤيدة بقانون يحرم إبقاء " أم على" مع " بابا غنوج " فى ثلاجة واحدة وبابها مغلق عليهما .. ولكنهم بدأوا يتحاججون عن إلزام ووجوب ترك باب الثلاجة مفتوحاً .. وبعد جدال مرير ، وجدوا الحل المناسب مع صاحب الفتوى الشرعية والجذرية ..أخيراً جاء الحل الحلال البين وهو: أن تقوم " أم على" بإرضاع " بابا غنوج " وهكذا سيصبحان أخوَان بالرضاعة .. عندها سيكون وجودهما بمفردهما داخل ثلاجة بابها مغلق عليهما ، حلالاً بيّناً يسكت ألسنة أصحاب القيل والقال من المتأسلمين المتعصبين.. وبالرغم من أنها نكتة ..على الأقل انها أحسن من الحقيقة المُرة التى جاء بها أحدهم بوجوب مناقشة "مضاجعة الوداع" فى مجلس الشعب المصرى .. لا أدرى .. هل حُلت جميع المشاكل الى الدرجة التى تجعلهم يفكرون فى ممارسة الجنس مع موتاهم .. لا .. لا .. لا أكاد أصدق ..!! كيف أخال وضع أقباط مصر مع وجود أمثال هذه العناصر التى تفكر بهذا المستوى ..وهم الذين أصبحوا أصحاب السلطة بعد فوز الدكتور محمد مرسى على منافسه السيد أحمد شفيق.. حقيقة أننى أندهش مع المندهشين .. صحيح أننا قد سمعنا بعض تصريحات الرئيس المعتدلة.. إلا أننى أخاف أن تكون أحد أساليب " التقية " المتعارف عليها .. وهى وجوب نطق اللسان بشئ ما ، غير ما يبطنه القلب .. لكن الله موجود .. وهو فاحص القلوب والكُلى ..وهو القادر على إبطال المشورات التى تهدم ولا تبنى .. فالصورة مازالت غير واضحة ..أوضاع غريبة ..و شعور أغرب ...
نعم ، أنا مندهش ..والكثيرون مندهشون مثلى ..هكذا سيهرب الإبداع والمبدعون .. الألم يعتصر القلوب عند مقارنة الماضى بالحاضر .. عند مقارنة الزمن الجميل .. ايام السبعينيات من القرن المنصرم .. أيام الذى كان .. الذى كان مع كان و أخواتها.. أيام كانت أخوات كان الجميلات يلعبن مع أخوات إنّ على الرغم من إختلافهن الشديد فى الطباع فى الرفع الرفيع المستوى بالضم دون قبلات شهوانية..والنصب بالفتح الذى لا يحتوى على إغتصاب أو على غش أو حجاب .. حيث كُنّ ومنذ نعومة أظافرهن فى المدارس الإبتدائية والإعدادية الى أن تخرجن من الجامعات .. كيف كُن يلعبن مع بعضهن ثم مع أبناء وبنات الحى حتى كبرن ..لم نسمع قط من إحداهن قالت .. " أصبح المسلمُ أحسن من المسيحي " ..ولم تتفوه أبداً أخت من أخوات إن قائلة : ليت المسلمين يقهرون المسيحيين " .. ولم يظهر لهن شيخ آنذاك ..يعترض طريقهن أو حتى يساومهن فى طريقتهن ..أمثال شيوخ اليوم .. أين الحجاب و النقاب .. فذاك ما كان يجرى أيام الجمال الذى كان أيام الزمن الجميل.. لماذا إختلفت هذى الآيام .. !! .. لماذا أندهش أنا .. ويندهش غيرى ..الإندهاش الشديد عما يحدث فى أوطاننا العربية ، الإندهاش الذى يفغر الأفواه الى درجة فقد الشهية عن الأكل .. الإندهاش الذى يجعل الرءوس تدور الى حد الإغماء .. ماذا أقول ..!! هل أقول وا أسفاه .. عليك يا مصر ..!!.
عندما تهرب الكلمات .. عندما يتأمل الإنسان فى الأحداث التى تحدث فى أوطاننا .. عندما يصل الإنسان الى درجة من اللامبالاه ..هكذا يشعر الإنسان بأنه جسد هزيل بلا روح ..إنسان منعزل عن العالم .. إنسان معزول عن كل شئ ومن كل شئ.. كائن من الكائنات الطفيلية التى تعيش فى صحراء جرداء .. رمال صفراء بلا ماء ..رياح سموم قاتل ..الهواء ساخن مصحوب بذرات رمال ساخنة .. لا موقع لأى إتجاه .. لا مال ولا جاه .. ولا حياة ولا جمال .. أين الأشجار الوارفة الخضراء .. أين شقشقة العصافير التى تلهم الشعراء والفنانين .. أين أصوات خرير المياه .. أين زنابق الحقل التى ترتشف من قطرات ندى صباح جميل .. أين السندس الحريرى والذى يغلب عليه اللون الأخضر الذى يبدد الألوان الصفراء المكفهرة .. لماذا أصبحت كل الألوان باهتة ..!!.. أين الضحكات النابعة من القلب التى كانت تجلجل الأرجاء .. ألوان قاتمة .. مع وجوه مكفهرة ..هكذا يكون شعور الكاتب أو الشاعر أو الفنان عندما تضرب به المشاعر عرض الحائط .. وهنا أسأل وأتساءل .. لماذا تغيرت أخلاقيات الناس .. !!.. لماذا هرب الإبداع .. أين هؤلاء المبدعون الذين يتذوقون ذلك الإبداع الإلهى الجميل ..والذى كان يتضح ويتجلى فى مكونات الصور الطبيعية الجميلة حيث كانت تتجسد فى صور الرسامين أو فى أغانى أو تمثيل الفنانين لتكون سبباً رئيسياً للإلهام و الإبداع ..الذى يدخل السرور على النفوس .. ويعطى نفس النفوس الكثير من الدروس .. ويرفع المعنويات لمطأطئى الرءوس.. قد هرب الإبداع .. وحلت محله أجواء الصحراء .. جو من التصحر الفكرى والأخلاقى والوجدانى الى الحد الذى يصاب فيه المرء بالإندهاش والإكتئآب معاً .. واللذين يختلطا بمكونات غريبة تكوّن خلطة سياسات مجحفة لحقوق الأقليايات سواء مسيحية أم بهائية أم لا دينية ..حيث تصبح بطاقات الهوية من أصعب المشاكل .. هذا ناهيك عن الإضطهاد العلنى فى الشوارع ودواوين الحكومة ..
عندما رحنا نسأل ونتساءل لماذا هرب الإبداع ..!! .. نقول .. نحن نعلم الإجابة تماماً .. كيف يعيش الإبداع فى هذا الجو المكهرب بكهرباء قوة ألف فولت والويل وكل الويل لمن يقترب منه.. كهرباء فى شرائح خاصة .. من شرائع وفتاوى الشيوخ الذين يحرمون وينهون عن كل ما هو جميل وبديع .. حقيقة أخاف عليك يا مصر .. أخاف على إسمك .. قد يسمونك فى القريب العاجل ، مصرستان ..أخاف على إهراماتك .. أخاف على بناتك اللائى لن نعرفهن يوماً بعد يوم .. لن نعرفهن من بعضهن عندما يلبسن عباءآتهن السوداء وأنقبتهن السوداء وقفازاتهن السوداء .. كلهن سواء خِيَم سوداء متحركة .. والرجال .. أيضاً سيتغير منظرهم .. بجلابيبهم وسراويلهم ولحاهم .. وكل واحد منهم " عاملو بتاعة " على جبهته .. أمْسَاكَ الله بالخير يا أستاذنا الفنان القدير المحبوب عادل إمام صاحب الإبداع .. أستميحك عذراً بأن أقتبس الكثير من " البتوع " لتكون لكل واحد " بتاعة " على مقاسه .. على جبهته لتكتمل الصورة .. نعم .. أخاف على حرية الرأى والأقلام النظيفة العفيفة.. التى تبنى..انها تبنى وتتبنى الإبداع بدلاً .. عن لبس " البتاع " وإطلاق " البتوع " ورسم " بتاعة " على كل جبهة تحمل عمامة .. والغريب .. انهم يريدون أن يحاكمونك على إبداعاتك بأثر رجعى يا أستاذ عادل .. هل هناك " بتاع " أجهل من هذا ..!!.. مرة أخرى.. أخاف عليك يا مصر من أن يهرب منك الإبداع .. وتصبحين بدون إبداع ..!! ..الله يسامح .. بتوع البتاع والبتاتيع ..لكننى واثق ومؤمن تمام الإيمان وعلى الرغم من وجود كل بتاع له سند فى الحكومة ..إلا أن الله أقوى من كل البتاتيع .. وتحيا مصر .. ويحيا معها الإبداع بكل أنواعه ..