انزعاج النخب المدنية وأساتذة القانون الدستوري في مصر ثم دعواتهم للمجلس العسكري، بحماية الشرعية أو عمل انقلاب عسكري ضد الرئيس محمد مرسي، علي اعتبار أن قرار الأخير بعودة مجلس الشعب هو بمثابة " انقلاب دستوري ".. وإن شئت الدقة (انقلاب مزدوج) علي المجلس العسكري والمحكمة الدستورية العليا.. هي دعوات " منتهية الصلاحية " تنتمي لذهنية القرن الماضي وتريد أن تفرض مفاهيمه وأفكاره " الجامدة " فرضا علي " سيولة " الشرق الأوسط.
الولايات المتحدة لا تريد مجتمعا ديمقراطيا في مصر، لخطورة ذلك علي مصالحهم في المنطقة وعلي السيناريوهات القادمة في المستقبل القريب. وبالتالي فإن الحديث عن الدولة الدستورية والفصل بين السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية القضائية، لا محل له من الإعراب.
خطة أوباما لإجهاض المد الثوري (نحو مدنية الدولة ودمقرطتها) في مصر أعلنت مبكرا في واشنطن، وكتبت عنها مرارا في إيلاف. اضغط هنا
وتتلخص في تطبيق النموذج الباكستاني وليس التركي، هيمنة بورجوازية طفيلية ونظام حكم يعلن نفسه إسلاميا، حيث تقف المؤسسة العسكرية خلف الستار ثم تدخل الي مقدمة المسرح من وقت لآخر لتصفية الصراعات بين التيارات الإسلامية المختلفة باعتبارها نقطة التوازن، لا أكثر.
المجلس العسكري في مصر أستوعب الدرس جيدا – مما يجري حوله في المنطقة - وهو أن دوره المحوري في إطار " الدولة القومية " قد أنتهي بلا رجعة، وأن ما ينتظره، هو: إما " التفكيك " بالقوة كما حدث في العراق وليبيا واليمن – ويحدث في سوريا – وإما " التحييد " بالأمر المباشر، لأن العالم دخل مرحلة جديدة (عابرة للأوطان) ومحطمة لها ولا يوجد أفضل من التحالف بين الإسلاميين والشركات المتعدية للجنسيات والعابرة للقوميات (حيث تعاون تنظيم القاعدة والناتو في ليبيا وربما سوريا) لتنفيذ هذا المخطط الجديد في المنطقة.
قبل شهور قليلة أعاد السياسي الأمريكي المخضرم " زبغنيو بريجنسكي " صاحب كتاب " رقعة الشطرنج الكبري " ما قاله بالحرف قبل أربعة عقود في كتابه العلامة " بين جيلين " وذلك في مقال حديث له بمجلة " فورين بوليسي "، يقول: " كنت أول من دعا إلي تفكيك النظام الإقليمي العربي وطمس عروبته، وإعاده تشكيله علي أسس عرقية وطائفية. ان مبدأ (الدولة – الأمة) في شرق أوسط يتكون من جماعات عرقية ودينية مختلفة كان خاطئا، ولابد من أن يتحول إلي كانتونات طائفية يجمعها إطار إقليمي (كونفيدرالي) ".. ليخلص إلي أن هذا الوضع يسمح للكانتون الإسرائيلي أن يعيش بسلام في المنطقة بعد أن تصفي " الفكرة القومية " والدول القائمة عليها.
" الكونفيدرالية " لن تتحقق كما يقول " بريجنسكي " في مقاله الأخير، قبل المواجهات العسكرية بين إيران وإسرائيل، وربما مصر والسعودية، مع تصاعد المد الإسلامي السياسي في الشرق الأوسط، وأزمات الطاقة العالمية خاصة مع تعرض حلفاء أمريكا من دول مجلس التعاون الخليجي للخطر، والحروب الطائفية والعرقية في العراق وسوريا ومصر ولبنان وفلسطين واليمن، التي ستقضي حتما على مسيرة الدولة القومية التي بدأت تاريخيا منذ معاهدة " ويست فاليا " عام 1648.
وعلي الرغم من أن فكرة " نهاية الدولة القومية " لا تزال عصية على الفهم والاستيعاب عند الكثير من النخب المثقفة في الشرق الأوسط، فإنني أستثني منها المفكر الاقتصادي " سمير أمين " الذي أكد في حوار له نشر قبل أيام في صحيفة " الوطن " المصرية: أن مشروع الولايات المتحدة، المدعوم بدرجات مختلفة من حلفائها فى أوروبا واليابان، هو أن تقيم سيطرة عسكرية فوق كامل الكوكب. لتحقيق هذا الهدف لا بد من السيطرة الكاملة على منطقة الشرق الأوسط التى تلعب حجر الزاوية فى هذا المشروع لأربعة أسباب، أولها وفرة النفط فى المنطقة، ثانيها وقوع المنطقة على تقاطع الطرق فى العالم القديم مما يتيح لأمريكا تهديد الصين منافسها الأبرز الآن مستقبلا، وثالثها ضعف بلدان المنطقة مما يُسهل السيطرة عليها، ورابعها وجود إسرائيل الحليف الأبدى لواشنطن فى المنطقة. وفى إطار هذا المشروع نستطيع أن نفهم أحداثا كثيرة منها ضرب العراق وأفغانستان والتربص بإيران، فالعدوان على هذه الدول تم لأنها كانت تمثل عقبات أمام بسط كامل سيطرة الأمريكان على المنطقة، مما يمكنها من احتواء الصين بالدرجة الأولى والهند وروسيا بالدرجة الثانية. والصين مدركة لهذا، وتعلم مثلا أن ضرب أفغانستان والعراق ومحاولة تفتيت سوريا الآن يستهدفها مستقبلا، ولذلك فهى وروسيا يعارضان التدخل العسكرى الأمريكى فى سوريا."
وردا علي سؤال: كيف تجتمع مصالح الإخوان والأمريكان؟.. قال: الإخوان (حركة سياسية تخدم مصالح الدول الكبري) وهم بالقطع جزء من المشروع الأمريكى الذى ساندهم تماما، كما ساندتهم السفارة البريطانية منذ نشأتهم فى عام 1927 فى مواجهة الوفد الذى كان يمثل إلى حد ما نهضة مصر. والأمريكان يدعمون الإخوان لسببين: أولهما أن الإسلام الرجعى الذى يمثلونه سيضمن عدم نهضة مصر، والثانى أن آراءهم المعادية للحريات الدينية والحريات الشخصية ستعزز "الإسلاموفوبيا" فى العالم".
Dressamabdalla@yahoo.com
نقلا عن إيلاف