سليمان شفيق
افتتحت قمة دول مجلس التعاون الخليجي امس الثلاثاء في مدينة العلا السعودية بمشاركة أمير دولة قطر غداة إعلان الرياض والدوحة إعادة فتح المجال الجوي والحدود البرية والبحرية بينهما بعد ثلاث سنوات من الإغلاق. وأعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مستهل القمة أن الدول المشاركة وقعت بيانا "لتأكيد التضامن والاستقرار
وأضاف ولي العهد السعودي: "نحن اليوم أحوج ما نكون لتوحيد جهودنا للنهوض بمنطقتنا ومواجهة التحديات التي تحيط بنا، خصوصا التهديدات التي يمثلها البرنامج النووي للنظام الإيراني وبرنامجه للصواريخ البالستية ومشاريعه التخريبية الهدامة".
وكان بن سلمان قد ألقى قبل ذلك مباشرة كلمة قال فيها إن جهود الكويت والولايات المتحدة أدت "بتعاون الجميع، للوصول إلى اتفاق بيان العلا.
وسبق القمة الإعلان عن إعادة فتح الأجواء والحدود السعودية أمام قطر، ما اعتبر مؤشرا على مصالحة وشيكة في الخليج بعد أزمة استمرت أكثر من ثلاث سنوات.
ولقي أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني استقبالا حارا لدى وصوله الى السعودية الثلاثاء للمشاركة في القمة، إذ كان في استقباله الأمير محمد بن سلمان الذي عانقه عند نزوله من الطائرة.
كما يتواجد وزير الخارجية المصري سامح شكري في العلا للمشاركة في الاجتماع، وفق ما ذكرت الخارجية المصرية على حسابها على "تويتر"، علما أن مصر لا تشكل جزءا من مجلس التعاون الذي يضم ست دول هي بالإضافة إلى السعودية والبحرين والإمارات وقطر، الكويت وسلطنة عمان اللتان بقيتا على الحياد خلال الأزمة
ويشارك في الاجتماع أيضا جاريد كوشنر مستشار الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب وصهره.
الولايات المتحدة في قلب المصالحة:
كرست إدراة ترامب الأمريكية جهودا كبيرة، خاصة في المدة الأخيرة، لطي صفحة خلافات الدول الخليجية بين قطر من جهة، والسعودية مدعمة بكل من الإمارات، البحرين ومصر من جهة ثانية. وشهدت العلا السعودية الثلاثاء قمة خليجية تاريخية، اعتبرت حجر أساس في بناء علاقات جديدة بين مكونات العائلة الخليجية، توجت عملا دبلوماسيا هاما للإدارة الأمريكية بقيادة مستشار ترامب جاريد كوشنر. فما أهداف ترامب وإدارته، غير المعلنة، من هذه التحركات التي انتهت بحل الأزمة الخليجية في الدقائق الأخيرة من عمر ولايته الرئاسية؟
واستمر التوتر بين الطرفين أكثر من ثلاث سنوات على إثر قرار دول "المحور السعودي" قطع علاقاتها مع قطر في يونيو 2017، متهمة الدوحة بـ "تمويل الإرهاب "ودعم إيران، فيما ظلت قطر تنفي هذه الاتهامات.
وتضييق فجوة الخلافات بين البلدين الجارين، قطر والسعودية، كان يبدو إلى عهد قريب بعيد المنال رغم الجهود التي بذلتها أطراف مختلفة، بما فيها المحسوبة على العائلة الخليجية، ولا سيما الكويت، التي كان لها اليوم دور مهم في الدفع بالعلاقات بين الطرفين نحو الانفراج، دون إغفال نظيره الأمريكي "الراعي" الأول للمشاورات بقيادة مستشار ترامب وصهره جاريد كوشنر. وأشاد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في كلمته بالقمة .
الدور الأمريكي والمصلحة السعودية؟
ضغطت الإدارة الأمريكية بكل ثقلها لتقريب وجهات النظر بين طرفي الخلاف والتحضير لأرضية مشتركة، تكون الأساس لإعادة ترميم العلاقات بين البلدان "الشقيقة"، خاصة في الآونة الأخيرة مع ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي أعطت فوز المرشح الجمهوري جو بايدن.
ويشير مراقبون أن تغير لهجة الرياض وانفتاحها على حل للأزمة قبل مدة، فرضه التحول الطارئ على مستوى الإدارة الأمريكية، وفقدان الرياض لحليف مهم فيها بخسارة ترامب السباق الرئاسي، باعتبار أن الرئيس الأمريكي المنتخب سيكون له رأي آخر تجاه العلاقات الأمريكية السعودية، لا سيما
في الشق المرتبط بحقوق الإنسان.
"ووفق ما كتب الباحث بو علام غباشي في فرنسا 24 فأن هناك مصلحة سعودية في إنهاء هذا الخلاف للظهور أمام الإدارة المقبلة كفاعل مسؤول يعمل من أجل السلام"، حسب تحليل صحافي فرانس24 المختص في الشؤون الدولية وسيم الأحمر
وبالنظر للشروط التي وضعها كل طرف سابقا لاستئناف العلاقات الثنائية، كان يبدو أن الجانبين رفعا لحد كبير سقف مطالبها لبعث الحياة من جديد في الروابط التي كانت تجمعهما لعقود كحكومتين وشعبين. وهذا الانفراج الذي حصل في الأزمة، جاء ليؤكد أن كلاهما مقبل على تقديم تنازلات، أولا لمصلحة البلدين وثانيا لمصلحة المنطقة اقتصاديا وأمنيا.
ضرب طهران :
بالطبع أي قرار أمريكي ضد إيران، لا يمكنه أن يتخذ في ظل التشتت الخليجي. وهناك من ذهب إلى القول إن إدارة ترامب تحضر، في سياق ترتيب البيت الخليجي، لتوجيه ضربة لإيران
وتحدثت وسائل إعلام عن أن إدارة ترامب تريد عبر هذه المصالحة الخليجية تشديد الخناق على إيران وعزلها أكثر عن محيطها الإقليمي والدولي، بحكم العلاقات التي تربطها مع الدوحة، وتجفيف الموارد المالية التي توفرها لها هذه العلاقات من قبل الطيران القطري، الذي توجه نحو أجوائها إثر القطيعة مع جارته السعودية.
واعتبر الكانب والإعلامي عبد الباري عطوان في مقال على موقع "رأي اليوم" اللندنية أن "كل التسريبات التي نشرتها صحف أمريكية مثل وول ستريت جورنال، صحيفة ترامب المفضلة، عن عزم كوشنر وفريقه تحقيق المصالحة بين السعودية وقطر هو كذب وافتراء وتضليل لإخفاء الهدف الرئيسي من هذه الزيارة المذكورة آنفا، أي ضرب إيران، بشكل جراحي محدود أو شامل في الأسابيع المقبلة.
كما أن ترامب يحاول من خلال تحركات مستشاره جاريد كوشنر، بحسب عطوان، إلى "كسر عزلة دولة الاحتلال الإسرائيلي، وتكريس زعامتها للأمة العربية وتصفية القضية العربية الفلسطينية، وزيادة حجم الكراهية للشعب الفلسطيني".
تجفيف الموارد المالية لطهران :
"فالمصالحة الخليجية من وجهة نظر ترامب، تسمح بتعزيز الجبهة المناهضة لإيران في الخليج، وتفتح أجواء السعودية أمام الطيران القطري، ما سيحرم طهران من عوائد رسوم عبور الطائرات القطرية التي تقدر بنحو 100 مليون دولار"، وفق تفسير وسيم الأحمر
وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" أشارت إلى أنها "أموال تغذي الاقتصاد الإيراني المنهك". ونقلت عن مسؤولين أمريكيين، أن "تلك الرسوم تسمح لإيران بسهولة بتمويل البرامج العسكرية التي تعتبرها إدارة ترامب تهديدا".
إن هذه الأجواء الجديدة في الخليج تتابعها طهران بعيون شاخصة، لأنها تعنيها بشكل غير مباشر. وكانت الدوحة مطالبة من طرف "أشقائها" في المنطقة بتخفيف علاقاتها معها، فيما يبدو أن قطر غير مستعدة للتفريط فيها، وتنظر لإيران كشريك مهم في المنطقة أمام علاقات خليجية تبقى مهزوزة بحكم الضربة التي تلقتها نتيجة أكثر من ثلاثة أعوام من القطيعة، ويتطلب الأمر، حسب مراقبين، المزيد من الوقت لترميم ما تعرض للتلف فيها. ويقول وسيم الأحمر: "لا يبدو أن قطر ستغير سياستها الخارجية تجاه إيران بمجرد هذه المصالحة