فيفيان سمير
الموت هو الحقيقة الوحيدة الثابتة بحياتنا، حين يُغَيبُ أحد، قد نبكيه أو نرثيه أو حتى ننسى أنه كان يومًا بيننا، لكن تخيل أن يموت دون أن تغادر الروح الجسد، موتا اختياريا، فيتحول لتمثالٍ أصم، بلا إرادةٍ أو وعىٍ، ليس به ما يدل على الحياةِ سوى نسمةِ أنفاس تتردد بشكل الىّ، أيتحمل ضميرك هذه الجريمة؟ نعم جريمة، والسؤال موجه لنا جميعا، فكلنا بشكل أو بآخر نشارك كل يوما، ربما عن غير قصد ودون تعمد، لكن النتيجة جريمة قتل.
مرض نفسي يسمى الكتاتونيا، الكتاتونيا هي كلمة لاتينية تعنى الجثة، وهي معبرة تماما عن المرض، فهو الموت النفسي، فيه يتحول الجسد لمجرد جثة بلا حراك، كتمثال من الشمع بلا حياة، هي حيلة يلجأ لها العقل، حين يواجه صدمة نفسية عنيفة لا يستطيع الصمود أمامها، فيرتد إلى أزقة الذكريات، بحثا عن أقرب مرحلة عمرية آمنة، ليستقر بها، قد لا يجدها إلا في وضع الجنين، حيث الهدوء والسكينة داخل حوض من الماء الدافئ، ودقات موسيقية لقلب يهدهده، وشبع لا يهدده جوع، وقد لا يجدها حتى في تلك المرحلة الهادئة، بسبب أم كارهة لوجوده، وحين لا يجد حائط صد أمن يستند إليه، يختار الجمود والتصلب، يختار الموت.
قد ترى مصلحتك في الغدر، صافقا باب الأمان في وجه صديق أو رفيق أو حتى صلة دم، داهسا نزيف الحياة بقلب أعتبرك فقط أنسان، قد تعبث، دون اكتراث، بأحلام تعلقت بوهم بذرته ورويته ثم أحرقت حصاده، قد لا تجد غضاضة في الانسحاب، سارقًا الحياة من قلوب كل جريمتها أنها أحبت، وثقت، أحست بالأمان، ناصبا شباك الموت بأسنة رماح مصوبة لذلك الخيط الرفيع الذي يربطنا بالرغبة في الحياة .
ويبقى السؤال، كم مرة شاركت في سرقة الأمان من حياة أحدهم، كم مرة كنت جزءا من موقف صادم أو سبب فيه، كم مرة أطلقت من بين شفتيك رصاصة قاتلة أو امتدت يداك لتدفع بضعيف إلى حافة الهاوية، إلى الموت بسجل الأحياء.