بقلم – روماني صبري
أصاب فيلم المخرج والسيناريست الأمريكي "كوينتين تارانتينو"، الأخير (حدث ذات مرة في هوليوود)، نجاحا كبيرا، واعتاد الرجل في عالمه السينمائي على معاقبة الأشرار الذين ارتكبوا أبشع الجرائم على ارض الواقع، ومن ضمنهم "هتلر"، حيث قتله داخل دور عرض سينمائي في فيلمه "أوغاد مجهولون"، رميا بالرصاص ولم يكتفي بهذا بل حرق جثته مع النازيين داخل السينما ذاتها، في إشارة إلى أن الفن يبعض جرائمهم ولن ينساها، كما قتل مناهضي السود وغيرهم من المجرمين الذين حولوا العالم لجحيم في الماضي، تدور أحداث فيلمه الأخير في ولاية لوس انجلوس عام 1969، استلهم المخرج الشهير الفيلم من ذاكرته عندما كان في السادسة من العمر، وهو ما أدى ببعض النقاد إلى اعتباره أكثر أفلامه تعبيرا عن شخصيته.
يعتقد تارانتينو ان في الأمر شيئا من مبالغة، ويقول :" كل أفلامي ببساطة شديدة الخصوصية، وأنا اضمنها في أنواع محددة كيلا أكون مكشوفا بالكامل"، وتارانتينو دائما ما يستخدم أنواع الأفلام الكلاسيكية والحديثة في طرح أفلامه كالوستيرن، الوستيرن سباجيتي، النوار الجديد، الكوميديا السوداء، الحركة، الفنون القتالية، الجريمة، الرعب."
يقول تقرير مصور لفضائية "بي بي سي"، انه غالبا ما يمزج هذه الأنواع في فيلم واحد، ويصبغها بأسلوبه الخاص الذي بات يعرف باسمه منذ إطلاق فيلمه الأول "مستودع الكلاب" عام 1992 عندما كان في الثامنة والعشرون من العمر، لم يكن الفيلم المذكور مجرد فيلم جريمة سرقة بنوك وحسب، بل إعلان عن ظاهرة سينمائية حديثة وهي أسلوبه الذي تميز بالسرد الزمني الغير متتابع - وأقول انه ربما اقتدى بفيلم المخرج الروسي "اندريه تاركوفسكي"، "مرآة"، إنتاج 1974- وكذا الحوارات المثيرة والطريفة وكذلك العنف المصبوب بالسخرية والتلميحات السينمائية والإشارة إلى الثقافة الشعبية والموسيقى التصويرية التي تحوي أغاني من الستينيات والسبعينيات، لكن الفيلم الذي حول الرجل إلى واحد من أكثر المخرجين شهرة في العالم ونفوذا في هوليوود هو "خيال رخيص".
"خيال رخيص" فيلم جريمة حطم فيه مخرجه قواعد السينما التقليدية من خلال استخدام أسلوبه السينمائي والسردي الغير خطي في طرح قصصا متداخلة لرجال عصابات ومخرجين صغار، حقق الفيلم نجاحا نقديا وتجاريا هائلا فضلا عن فوزه بسعفة مهرجان كان الذهبية، وترشيحه لـ7 جوائز اوسكار والفوز بواحدة.
يعتبر الفيلم واحدا من أعظم الأفلام على الإطلاق، وينظر اليوم كمصدر الهام للعديد من الأفلام التي تلته، في عام 1979 استخدم تارنتينو نوع أفلام استغلال السود لطرح فيلم "جاكي براون"، ومزج في ثنائية الانتقام "اقتل بيل" أنواع الفنون القتالية والرعب الايطالي، كما استخدم نوع الويسترن في طرح "أوغاد مجهولون" الذي تناول فيه أحداث الحرب العالمية الثانية، و"جانجو الحر" الذي رصد فيه وحشية العبودية في الولايات المتحدة قبل الحرب الأهلية.
وفي "الحاقدون الثمانية" الذي سرد فيه قصة 8 غرباء يتقاتلون في موقف عربات خيول حتى الموت، هو يحب أفلام الغرب الأمريكي، ويقول انه يحب أن ننتقل إلى ذلك على حين فجأة في منتصف الفيلم ليستمر عليه حتى النهاية.
بدأ الرجل سيرته المهنية كممثل وكاتب سيناريوهات، وفي بداية التسعينيات باع سيناريوهاته "الرومانسية الحقيقية"، "قتلة بالفطرة"، لاستوديوهات هوليوود واستثمر ثمنها في إنتاج أول أفلامه "مستودع الكلاب"، والسيناريوهات التي يكتبها بنفسه تعد أهم عنصر في أفلامه، وقد فاز عنها بعدة جوائز من ضمنها جائزتي اوسكار، الأولى عن سيناريو "خيال رخيص" والثانية عن سيناريو "جانجو الحر."
يقول مخرج "خيال رخيص"، دائما ما افتخر إنني اكتب نصوص من العدم، وأكثر ما يعجبني هو أن اجلس هنا وأسافر العالم، ويقيني انه ذات يوم ولحظة من الزمن جلست أمام طاولة وأمامي ورقة بيضاء، وان أيا من هذا لم يكن موجودا حينها على الإطلاق، ولم لم ابدأ الكتابة على هذه الورقة لما تحقق أي من هذا، لذلك استطيع دائما استحضار ذلك اليوم وأتذكر كيف لم يكن أي من هذا موجودا، إلى حين كتبت كلماتي على ورقة، باستخدام القلم، فلا يكتب الشعر على حاسوب.
بعد ان ينتهي من كتابة سيناريو الفيلم، يختار تارانتينو ابرز نجوم هوليوود للقيام ببطولته، مثل ليوناردو دي كابريو الذي شارك في فيلمه "جانجو الحر"، وبراد بين الذي قام ببطولة "اوغاد مجهولون"، فضلا عن مشاركة كلاهما في فيلمه الأخير "حدث ذات مرة في هوليوود."
مؤخرا كشف عن نيته في التقاعد من إخراج الأفلام حين الانتهاء من فيلمه رقم 10 ، ليشرع في كتابة الروايات وأدب الأفلام، وقال : لا أعتقد بأن يجب أن تبقى على خشبة المسرح إلى أن يتوسل الجمهور لمغادرتك، تعجبني فكرة تركهم راغبين بالمزيد، لا أعتقد بأن الإخراج عمل المخرجين الشباب فقط، ولكن تعجبني فكرة وجود حبل سري متين بين فيلمي الأول وفيلمي الأخير.
وتابع :" لست أحاول السخرية من أي أحد يُفكر بطريقة مختلفة ولكني أريد الانتهاء وأنا في ذروتي، أحب أنني سأترك مسيرة مكونة من 10 أفلام، وعلى أية حال ما زال لدي فيلمين آخرين بعد هذ، الأمر ليس منقوشا على الحجر، وغير قابل للتغيير، ولكن هذه هي الخطة، إذا وصلت لفيلمي العاشر وكان جيدا ولم افسد الأمور، إذن أعتقد بأنها ستكون طريقة جيدة لإنهاء مسيرتي الطويلة، إذا، لاحقا، عثرت على فيلمٍ جيد، فلن اتركه فقط لأني قلت بأنني اكتفيت من الأفلام. لكن عشرة وسأتوقف، تركهم راغبين بالمزيد، هذا يبدو مناسبا جدا."