سنوات طويلة عاشها المصريون أسرى لعدد من الأفكار، أصبحت أيقونات تنطلق منها الدراما في مواجهة الواقع، ظل «أريد حلا» مسيطرا لسنوات على فكر صناع الدراما، كلما لجأوا لتيمة، كانت الأسهل والأسرع تلك المرأة التي تبحث عن نفقة في المحاكم أو تحاول الحصول علي حقها بالطلاق، تغيرت القوانين والأزمنة والشخصيات، وبقيت الأزمة عالقة في أذهان صناع الدراما، حتي بعد إقرار الخلع، لم يفلت هو الآخر من التابوت، وسيطر «أريد خلعا» لسنوات علي المبدعين، قبل أن يأتي زمن دراما الحل والتطوير برعاية «المتحدة للخدمات الإعلامية».

 

 للمرة الأولى، يتساوى العدد، دراما أعدت خصيصا لموسم رمضان وجرعة المسلسلات المكثفة، ودراما أعدت للعرض خصيصا بعيدا عن موسم رمضان، 11 مسلسلا أعدتها المتحدة للعرض في رمضان وقدمت خلاله وجبة وجرعة دراما مكثفة ومتنوعة ترضي احتياجات المشاهدين خلال الشهر الكريم، و11 مسلسلا تنافست في العرض المتوالي خارج رمضان، وأحدثت مواسم موازية حققت نجاحا مع المشاهدين، ونسب مشاهدة عالية.

 

 22 مسلسلا خلال عام الأزمة تقدم مصر بصورتها الحديثة: شوارع نظيفة وأماكن سياحية وكسر لصورة المرأة الضحية وعودة للمناطق الشعبية وليس العشوائيات

 كان ثمة تغير برز في الدراما المقدمة، داخل رمضان وخارجه، في الأفكار والمعالجات، وحتى في المشكلات التي تطرحها الدراما والحلول التي تقدمها، لم يعد هناك شيئا تقليديا، ظهرت مصر في ثوبها الجديد من خلال الدراما، عادت الحارة الشعبية التقليدية للظهور، واختفت العشوائيات من صورة المسلسلات كغيابها من أرض الواقع، فالواقع الذي تغير وأحدثته الدولة بإنهاء ثقافة العشش والعشوائيات واستبدالها بالأسمرات وغيط العنب وغيرها من المجتمعات الجديدة التي تحتوي سكان المناطق الخطرة، ظهر جليا في الدراما، لم تعد الصورة لتنقل سوي المناطق الشعبية، التقليدية العريقة، ظهرت بولاق من جديد في دراما «الأخ الكبير»، جدعنة ابن البلد ومشكلاته والدراما المتصاعدة من داخل الحي الشعبي العريق، الصورة الطبيعية التي اعتادتها مصر، وكانت العشوائيات دخيلا عليها

 

صورة جميلة لشوارع مصر ظهرت في غالبية المسلسلات التي خرجت للنور، حظي رمضان بنصيب الأسد منها، 22 مسلسلا على مدار عام 2020، كانت المتحدة تضع في حسابها أن تقدم صورة حقيقية للدراما المصرية، الشارع الذي يراه المشاهد في الكادر، هو نفسه الشارع المتواجد في الحقيقة، فرضت أزمة كورونا علي جميع منتجي الدراما العمل في مصر، كانت فرصة للجميع لإعادة الاكتشاف، سواء مناطق سياحية أو سكنية، ظهرت معالمها في كل الموضوعات التي تناولتها الدراما في العام الأخير، أمر بدا متعمدا في مسلسلات المتحدة، إنه حديث مجاني عن مصر الحديثة، والتغيير الذي ظهر جليا في السنوات الخمس الأخيرة.

 

مسلسلات تقضى على التيمات الثابتة مثل «الخلع والطلاق».. وتُظهر الصورة الحقيقية للمناطق الشعبية وتخفى العشوائيات

خرج مسلسل «شديد الخطورة» ليعكس التحدي الأكبر علي الأمن القومي حاليا، خطورة الهاكرز وأفعالهم التي تستهدف الدولة، خاصة إذا ما كان عملا ممولا من دول أخرى، وقدم مسلسل «إلا أنا» في فصوله العشرة قصصا واقعية من ملفات القضاء عن نساء يواجهن أزمات مجتمعية، جاءت كلها بصورة منافية للتقليدية، فالتي يخونها زوجها تقدمها الدراما وقد انتصر لها المجتمع وساعدها ودعمها، والتي تخلى عنها زوجها لم تخرج للعمل كفتاة ليل كما اعتادت الدراما تقديمها، خرجت للعمل وحصلت على معاش، لخصت الدراما المشكلات التي تواجه البطلات في الأزمات النفسية التي قابلتها بسبب التخلي.

 

 كانت حكاية «لازم أعيش» ضمن حكايات مسلسل «إلا أنا» عزفا منفردا على نوعية جديدة من القضايا، استعرضت الحلقات أزمة مرضى البهاق، لم تقدمهم كضحايا، قدمتهم كمنتصرين، عرضت نماذج لنجاحهم، وقصصا لأزماتهم النفسية مع التنمر بهم، ونقلت الفنانة جميلة عوض أحاسيس المرضى كما يشعرون بها، وكان رد الفعل الإيجابي حول العمل خير دليل على وصول الفكرة وبدء التغير في التعاطي مع المرضى.

 

لم تتوقف حكاية «بنات موسي» في المسلسل نفسه، أمام أزمة ميراث البنات كثيرا، قدر ما توقفت أمام كيفية حصول البنات على حقوقهن في الميراث، بالقانون وبالشرع، وهو ما أسهبت الحكاية في تقديمه لتخرج الدراما خارج عباءة الأزمة، وتقدم حلولا للحالات المشابهة، الأمر نفسه تكرر بفوراق مختلفة في حكايتي «سنين وعدت» و«أمل حياتي» في المسلسل ذاته، تقع البطلات في مأزق، فيكون الحل المواجهة والخروج من عباءة الفشل واللجوء لمشروعات خاصة، إنها المرأة الجديدة في مصر، بعد التمكين الذي تسير إليه الدولة وتتبعه القيادة السياسية، لم يعد هناك مكان لامرأة مقهورة، والدليل نقلته الدراما وعبرت عنه بجدارة.

 

 جاءت الشرطة لتمكين مني من شقة الزوجية بمجرد إبلاغها محاولة زوجها طردها منها، مشهد لم تكن لتنقله الدراما التي ظلت لسنوات حبيسة مشاهد أخرى، لم تعد واقعية، لكن «ربع قيراط» أحد حكايات «إلا أنا» انتصر للواقعية وعكسها في حكاية جذبت النساء لمتابعتها، واهتمت المدونات والجروبات بتوقع أحداثها، وهل تسامح منى زوجها أحمد على خيانته أم لا؟.. وهو ما عاشه المشاهدون أيضا في مسلسل «بخط الأيد»، والذي استعرض مصر في صورتها المثالية، شوارع واسعة ومناطق شعبية أصيلة، ورجل مخلص يحب زوجته ويبحث عنها ولديه يقين أنها لم تنتحر، بقي لغز اختفاء الزوجة محيرا، لحين اكتشاف مرضها بالسرطان وشفائها منه، كان سهلا أن تتحول الدراما إلي مأساوية، لكن الأمل الذي يتكرر يوميا في شفاء مئات مرضى السرطان أولى بأنه تنقله الدرما وتعكسه في واقع يعطي جرعات الأمل للمرضى وأسرهم.