في مثل هذا اليوم 30 ديسمبر1993م..
 إقامة العلاقات الدبلوماسية في الاتفاقية الأساسية (30 ديسمبر 1993), لا يمكن أن يتم بمعزل عن تاريخ امتد لقرون وجمع بين الشعب اليهودي والكنيسة الكاثوليكية. لكن وبسبب عدم الرغبة في الإسهاب سنشير فقط إلى عدد من المعالم الهامة منذ المحرقة النازية وحتى إقامة العلاقات.  

لقد شكلت المحرقة النازية (الكارثة) والعبر المستخلصة منها بداية عملية دراماتيكية في موقف الكنيسة من الشعب اليهودي وإسرائيل. حيث شهدت نهاية الأربعينات والخمسينات عملية دقيقة من محاسبة النفس داخل الكنيسة. لأول مرة في التاريخ أصبحت الكنيسة تعي وتدرك مسئوليتها عن قرون عديدة اتسمت باللاسامية بتشجيع منها وبريادتها, مما مهد الأرضية في الواقع لحدوث المحرقة النازية وشكل عاملا لا يستهان به في وقوعها. الكنيسة الفاتيكان على رأسها) بدأت بعملية تأنيب للضمير. تمخضت اللقاءات الرسمية الأولى بين ممثلي العالم اليهودي والكنيسة عن تصريحات ووثائق تشجب اللاسامية ومطاردة اليهود, وبدأ حوار بين الأديان بهدف المصالحة وإغلاق الدائرة التاريخية من خلال قيام قداسة البابا بولص السادس بزيارة لإسرائيل (1964 في الديار المقدسة لأجل الدقة).

 إن المعلم المركزي والتحول في هذا المسار الجديد تمثل في تعاليم وثيقة "نوسترا ايتاتي" (nostra aetate), التي تم وضعها قبيل نهاية مجلس الفاتيكان الثاني (26.10.1965) والتي قامت فيها الكنيسة (ولو بشكل غير مباشر)  ب"تبرئة ساحة" الشعب اليهودي من تهمة قتل الرب (صلب يسوع), وأعلنت عن اللاسامية كجريمة تجاه الله والإنسان وتعهدت بمحاربتها وسحقها.  

في السنوات التي تلت ذلك بدأت علاقات الكنيسة مع الشعب اليهودي ومع إسرائيل  في الترسخ والتعمق. إن جلوس يوحنا بولص الثاني على الكرسي الرسولي في 1978 رمز إلى بدء مرحلة إضافية وهامة في هذه العلاقات. بدايتها كانت بخطوتين مهمتين: زيارته لمعسكر الإبادة النازي أوشفيتس (1979) ولللكنيس الكبير في روما (1986) ومواصلتها بخطوة تاريخية أساسها الاعتراف بإسرائيل وإقامة علاقات دبلوماسية بين الدولتين على أساس الاتفاقية الأساسية (fundamental agreement) في نهاية عام 1993. هذه الاتفاقية تحدد المباديء الأساسية التي تقوم عليها العلاقات السياسية والآليات التي سيعمل الطرفان بواسطتها من أجل التوصل إلى اتفاقيات أخرى تتعلق بالعلاقات بين الدولتين,

في أواخر مدة ولايته قام قداسة البابا يوحنا بولص الثاني بالخطوة الرابعة الهامة: رحلة حج في الديار المقدسة (2000), شملت أيضا زيارة مقر رؤساء دولة إسرائيل في أورشليم القدس (ومعناها تعزيز اعتراف الفاتيكان بسيادة إسرائيل).

إن موقف الكرسي الرسولي من النزاع الإسرائيلي – العربي طوال السنوات, يميل تقليديا لأن يكون انتقاديا لسياسة إسرائيل وردود فعلها إزاء العمليات الإرهابية الفلسطينية ( يبرز بخاصة "التوازن المقدس" في شجب الطرفين, مع تجاهل السبب أكثر من مرة, أي الاستخدام الفلسطيني للإرهاب ونتيجة ذلك, أي: لجوء إسرائيل  إلى حماية مواطنيها من الإرهاب). هذا الموقف التقليدي جاء لحماية الضعيف, لكنه يحمل في طياته أيضا الخوف من أن انتقادا قاسيا جدا تجاه العرب من شأنه أن يسيء أكثر للوضع الصعب الذي تعيشه الجاليات الكاثوليكية في الدول العربية. تجدر الإشارة إلى أن هذا الموقف يمر بتغيير معين منذ تسلم بنديكتوس أل- 16 المنصب (بخاصة في ضوء اختلافه عن سابقه في موقفه الانتقادي للحوار مع المسلمين والعالم العربي وعدم قبوله استخدام العنف والإرهاب كوسيلة لحل النزاعات). ويواصل قداسته طريق يوحنا بولص ويعمق الحوار مع إسرائيل والشعب اليهودي. على ذلك تشهد زيارته للكنيس في كلن خلال رحلته الأولى إلى ألمانيا (آب / أغسطس 2005), رحلته إلى أوشفيتس (أيار / مايو 2006) وقراره بزيارة إسرائيل (أيار / مايو 2009). كما تشهد على ذلك تصريحاته في لقاءاته الكثيرة مع ممثلي الشعب اليهودي وإسرائيل والتي شجب من خلالها وبلهجة قاسية اللاسامية وشدد على الواجب التاريخي القاضي بالحفاظ على ذكرى الكارثة (المحرقة). خلال السنوات الأخيرة قام وزيرا الخارجية سيلفان شالوم وتسيبي ليفني بزيارات عمل للفاتيكان كما قام رئيسا الدولة موشيه قتصاب وشمعون بيرس, رئيس الوزراء أولميرت, الحاخامان الأكبران ووزيرة الاتصالات داليا إيتسيك (بمرافقة سكرتير الكنيست ميمون) بمقابلة البابا. !!