بقلم : د . مجدى شحاته
ميلاد السيد المسيح له المجد أعظم وأهم حدث فى تاريخ البشرية ، اليوم الذى شطر الزمن الى ما هو قبل الميلاد وما بعد الميلاد !! الميلاد الذى غير حياة البشر فى كافة أنحاء المعمورة وخلق مفاهيم روحية جديدة سامية يتعامل بها الناس . جاء ميلاد المسيح ليضع البشر أمام سفر تكوين جديد ، فيه لا خلقة مادية لأرض وسماء ، بل خلقة جديدة روحانية للأنسان ، وعلى أساس هذه الخلقة الجديدة تستعيد الارض والسماء ايضا خلقتها الروحية وتنعتق من عبودية الموت والفناء .هذه النقلة النوعية الروحية الغير مسبوقة تنبأ بها أشعياء النبى منذ مئات السنين قبل الميلاد : " لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابنا وتكون الرياسة على كتفيه ويدعى اسمه عجيبا مشيرا الها قديرا أبا أبديا رئيس السلام ، لنمو رياسته وللسلام لا نهاية ، على كرسى داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والير من الان والى الابد ، غيرة رب الجنود تصنع هذا " ( اش 9 : 6 ) .
لم تشعرالارض بميلاد السيد المسيح ولم يشعر به الناس ولا الكهنة ولا العظماء ولا الفريسيين ... ولكن السماء اهتزت وتهللت الملائكة ولم تستطع أن تصمت أمام هذا المشهد العجيب والمذهل ، لقد هتفت الملائكة وسبحت حينما خلق الله العالم ( مز 103 : 21 ) ومع اشراقة العهد الجديد ، الرب الاله ها هو قد شرف وبارك الارض ، وها هى ملائكة السماء تسبح مرنمة حينما بدأ المسيح الخليقة الجديدة الثانية ، ترنم بميلاده التسبحة التى نترنم بها فى صلاة باكر " فلنسبح مع الملائكة قائلين المجد لله فى الاعالى وعلى الارض السلام وبالناس المسرة " .
لا شك ان الفداء هو الهدف الاساسى للتجسد ، فى نفس الوقت أراد الرب أن يعلن عن ذّاته للبشرية بصورة أكثر كمالا ووضوحا مما أوضحه كل الانبياء . ففى فترة العهد القديم كلم الله البشر بواسطة الانبياء كاشفا لهم شيئا عن طبيعته وعن حالة الانسان الخاطئة التعسة وأيضا عن رسالة الخلاص . ففى العهد القديم شهدت بعض الشخصيات ظهورات الاهية متعددة ، على سبيل المثال وليس الحصر : مثل ابراهيم ( تك 18 : 1 ) ويعقوب ( تك 32 : 24 ) وموسى (خر 24: 9 ، 34 :؛ : 5 ) ويشوع ( يش 5 : : 13 وشمشون ( قض 13 : 2 ) وأشعياء ( أش 6 : 1 ) والثلاث فتية اصدقاء دانيال ( دا 3 : 2 ) . لقد أبلغتنا النبوات والاعلانات الالهية بامور كثيرة عن ميلاد السيد المسيح وكانت كلها حريصة كل الحرص ، أن تؤكد يقينا على وجود يسوع المسيح منذ الازل ، وانه لم يبدأ وجوده عند ولادته فى بلدة بيت لحم ، انما هو ( أتى ) أو ( نزل ) من السماء الى الارض وأنه ( ارسل من قبل اللآب ) لتؤكد تلك النبوات والاعلانات الروحية لكل البشر بان السيد المسيح ليس فقط أعظم بنى البشر، بل كمن سابق وجوده وتجسده وانه لم يكن لوجوده بداية وان تكون له نهاية ، السيد المسيح هوالبداية و النهاية ، وقد قال يوحنا المعمدان عن رب المجد يسوع : " يأتى بعدى رجل صار قدامى لأنه كان قبلى " ( يو 1 : 0 3 ) والوحى المقدس لا يعنى ان يسوع ولد قبل يوحنا
المعمدان ولكن المقصود بالعبارة " صار قدامى " الاشارة الى رتبة ومكانة السيد المسيج الاعلى والارقى من رتبة يوحنا . السيد المسيح له المجد هو الكلمة ذو الكيان السابق المعادل للآب من جهه كافة النواحى بما فى ذلك عملية الخلق . فالسيد المسيح هو الاساس الذى : " صار جسدا وحل بيننا ورأينا مجده كما لوحيد من الآب مملوءا نعمة وحق " ( يو 1 : 14 ) . أن تجسد السيد المسيج يختلف تماماعن تلك الظهورات السابقة اختلافا جوهريا . ففى التجسد الالهى ولد السيد المسيح من العذراء مريم كطفل فى بيت لحم وعاش بين البشر لمدة ثلاثة وثلاثون سنة واستمر ذلك الوصل بين الله والطبيعة البشرية بصورة كاملة واضحة جلية . ففى فترة العهد الجديد التى نعيشها ، تتميز بأنه فى المسيح جاء الله شخصيا ، وفى شخص المسيح وعمله أعطى الله للبشرية وحيا عن نفسه وعن مخطط الخلاص . فالله خالق الكون وهذا العالم جاء وتنازل الى أرضنا وعاش بين الناس . هذا هو سر التجسد أن البشر بأعينهم المجردة رأوا من هو الله المتجسد . " عظيم هو سر التقوى الله ظهر فى الجسد " . ( 1تى 16 : 3 ) .
فى البدء ( منذ الازل ) كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله ( الكلمة هو الله ) وكل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان ... فيه كانت الحياة والكلمة صار ( اتخذ ) جسدا وحل بيننا ورأينا مجده مجدا ( يو 1 : 14 ) . كلمة الله وصورة الله غير المنظور ، الله القدير ، الله الكلمة عندما أراد أن يظهر على الارض ولما جاء الوقت المعين لذلك ( ملء الزمان ) حل فى بطن العذراء القديسة مريم وأتخذ فيها جسدا وصار على الارض فى هيئة انسان ، ظهر فى فى الجسد الكامل ، آخذا كل ما للانسان ، ولد من أم وهو الخالق الذى لم يخلقه أحد ، ولد فى الزمان وهو خالق الزمان الابدى الازلى .
لم تكن عملية التجسد غاية فى حد ذاتها بل كانت وسيلة للغاية وهى خلاص البشر لأن الانسان بسقوطه فى خطية العصيان وعدم الثقة فى مواعيد الله قد فصل الانسان نفسه عن الله فى نفس الوقت الذى فشل فيه كل القدرة على تدبير خلاص نفسه ومن عدل ورحمة الله دبر خطة الخلاص متجسدا آخذا مكان الانسان تجاه متطلبات الشريعة والعدالة الالهيتين لانه اله يمكنه أن يعط قيمة غير محددة لذلك الالم والموت بكل أشكاله الموت الروحى والادبى والجسدى . والنص الالهى فى رسالة معلمنا بولس الرسول الى فيلبى ( 2 :5 ) يعطى صورة واضحة قاطعة فى عقيدة التجسد ويشير هذا النص ان السيد المسيح : " كان فى صورة الله ... لكنه أخلى نفسه آخذا صورة عبد صائرا فى شبه الناس " وفى اشارة اخرى لو موضوع التجسد أشار معلمنا بولس الرسول " ولكن لما جاء ملء الزمان ، ارسل الله ابنه مولودا من امرأة ، مولودا تحت الناموس ، ليفتدى الذين تحت الناموس ، لننال التبنى " ( غل 4 : 4 ) . كذلك جاء فى رسالة الرسول الى كولوسى " ... فيه سر ان يحل كل الملء " ( كو 1 : 19 ) " فانه فبه يحل كل ملء الاهوت جسدىا " ( كو 2 : 9 ) .
جاء الرب فى ملء الزمان فى وقت بسط فيه الشيطان نفوذه متوجا نفسه ملكا لهذا العالم .( يو 14 : 30 ) .حيث انتشرت الوثنية وتعددت الاديان وانتشر الفساد ، ولم يعد للرب سوى القليل ممن يتبعونه ، قال عنهم أشعياء النبى " لولا أن رب الجنود أبقى لنا بقية صغيرة لصرنا مثل سدوم وشابهنا
عمورة " ( أش 1 : 9 ) . واليوم يقف نفس العالم أمام تحديات اخرى كثيرة ما بين عنف والحاد وانحرافات أخلاقية وظلم وقهر ومغيبات ، فضلا عن وباء كرونا ، اليوم يقف العالم ويقول : " لأنى لست أعرف ما أنا افعله اذ لست افعل ما اريده بل ما أبغضه فاياه أفعل ... أفعل ما لست اريده .. فانى أعلم انه ليس ساكن فى أى فى جسدى شئ صالح ..وانا ان أفعل الصالح الذى اريده، بل الشر الذى لسي اريده أ فعل " ( رو 7 : 17 ) . الميلاد يؤكد لنا ان الرب جاء ليخلص عالمنا الضائع الشارد ، العالم اليوم فى حاجة ماسة الى الخلاص والرب " قد جاء لكى يطلب ويخلص ما قد هلك " ( لو 19 : 10 ) . والرب يسوع جاء ليغير النفوس الخاطئة الى الافضل ، جاء ليمنح الخطاة توبة ، وغير المؤمنين يوهبهم الايمان ، والذين لا يريدون الخير يمنحهم الارادة الطيبة ، جاء يبشر المساكين ويعصب منكسرى القلوب ينادى للمسبيين بالعتق والمأسورين بالاطلاق ، انه المخلص الذى نتضرع اليه فى اوشية المرضى " رجاء من ليس له رجاء ومعين من ليس له معين ، عزاء صغيرى النفوس وميناء الذين فى العواصف " ما أجملها بشرى جاء بها السيد المسيح للبشرية ، جاء يخلصنا من خطايانا ومن كل النقائص ، ينضح علينا بزوفاه فنخلص ، يغسلنا فنبيض أكثر من الثلج . وكل عام وانتم بخير .