د. مينا ملاك عازر
توقفت المقال السابق سيادتك، عند وعد بشرح مفصل قدر الإمكان لعبقرية هذا الكتاب التي لم تقف عند حدود الرواية الأدبية بل تخطتها لأمور أخرى، وها أنا ذا أفي بوعدي.
فأقول لحضرتك، أنه لا يقف هذا الكتاب عند حدود براعته الأدبية والتخيلية فقط، إنما يتعداها إلى وظائف أخرى، ذلك أن السويد شكلت بأكملها خلفية للمغامرات العجيبة، من المناظر الطبيعية، والمشاهد البحرية، إلى البلدات المتنوعة التي تحفل بالحياة الزراعية والحيوانية والتي تم صياغتها على نحو دقيق وحذر، وبالرغم من التحول في شخصية نيلز الذي يؤدي إلى نوع من الاغتراب الصادم، من خلال تمزق هذه الغلالة التي كان يحفل بها، وهي الفضاء المحلي الآمن، إلا أنه يدرك أنه من الصعب تحقيق الاحتياجات البشرية الأساسية التي أخذها كأمر مسلم به من دون عمل جدير بالاحترام، ومن هنا تتواشج القيم الوطنية بالأخلاقية، وتصبح هذه المؤامرة السحرية التي يتعرض لها في تحوله إلى قزم، هي نسيج حي من الفلكلور السويدي المثير للاهتمام، وما يعطي الكتاب مهاراته، وينقذه من السقوط في التعليم الأخلاقي المباشر، هي أن لاغرلوف تجنبت الحلول التبسيطية والقيم السهلة فجعلت منه نصاً غنياً وحكيماً إلى الدرجة التي تكون الحياة الحرة والبرية فيها لطفل ليست عملاً صادماً، إنما مغرية على الفور.
هذا الكتاب المنسوج بطريقة رائعة كحقائق من التاريخ والجغرافيا والحياة البرية مع مزيج من الحكايات الشعبية والخرافية، حصل على شهرة واسعة، وسريعة جداً، وتحول إلى حكاية شعبية، مثيرة، ومؤثرة، وترجم إلى العديد من لغات العالم، وتحول إلى أفلام متحركة، وكتب عنه الكثير، وقد أحسنت دار المدى صنعاً بتقديم هذه الرائعة الأدبية للقارئ العربي، فهو كتاب يقرأ على نحو بالغ الجدية، يقرأه الكبار والصغار معاً، مثله مثل كل الكتب الخالدة.
طبع هذا الكتاب، الذي يُعدّ آخر أعمال أعْظم كاتبة روائية سويدية، في ستوكهولم، في شهر ديسمبر1906 وتحوّل مباشرة إلى أكثر الكتب شعبية سنة صدوره في الدول الاسكندنافية.
أخيراً صديقي القارئ، أنتهي بك في المقال هذا طوافي حول الكتاب وكاتبته راجي من الله أن أكون قد أوجزت فيما يخص الكاتبة بدون أخلال وأخلت بما يتعلق بالرواية لتستمتع مثلي بقراءاتها.
وأعتقد أن هذه السيدة تستحق الأكثر من التكريم التي قطعت من وقتها ثلاث سنوات لتجوب راصدة مدققة في كل شيء لتكتبه بخيال واسع يناسب الأطفال والجميع، وكنت أود أن اعرب ايضاً عن شكي في إنه لو حدث هذا في مصر وطلب هذا من احد الكتاب وقبل، وربما لو فعل ما فعلته وانتهي من عمله هذا الذي أظنه سيزيد عن ثلاث سنوات سيكون النظام التعليمي تغير والوزير تغير والناس نسيوا ما كلفوه به
وبهذا الختام الذي لا أجد أفضل منه أشكرك عزيزي القارئ، لحسن متابعتك وأرجو من الله أن تستمتع مثلي بالرواية الأدبية لتطوف بلاد السويد الجميلة التي وإن عجزنا عن زيارتها للأسف فلنتمتع بها بخيال واسع من المؤلفة، ولنتعرف لأدق تفاصيل حياة شعبها وجغرافيتها وحيواناتها ونباتاتها، ولنتعرف كيف صنعوا تعليم متقدم متميز بلا حقد ولا حنق داخلي تجاه صناع تعليمنا الذين فقط ينوعون في تغيير طرق رصد الدرجات ومدة سنوات التعليم بدون أي تغيير في مضمون ما يتعلمه أبناءنا في جريمة إنسانية ممتدة على مر العصور للأسف.
المختصر المفيد أطفالنا يغتالوا ذهنياً وفكرياً بأيدي حملة الشهادات الذين فقط يبحثون عن كراسيهم.