بقلم يوسف سيدهم
انتهي سباق الرئاسة وأعلنت اللجنة العليا للانتخابات فوز الدكتور محمد مرسي بمنصب رئيس الجمهورية,وجاء الوقت لننفذ ماكنا ننادي به من قبول النتيجة التي سيفضي إليها صندوق الانتخاب حتي وإن كانت لا تتفق مع انحيازنا-وأقصد هنا انحيازنا لمرشح يرفع أجندة الدولة المدنية في مقابل مرشح بالكاد يخرج من عباءة الدولة الدينية
انتهي سباق الرئاسة وأعلنت اللجنة العليا للانتخابات فوز الدكتور محمد مرسي بمنصب رئيس الجمهورية,وجاء الوقت لننفذ ماكنا ننادي به من قبول النتيجة التي سيفضي إليها صندوق الانتخاب حتي وإن كانت لا تتفق مع انحيازنا-وأقصد هنا انحيازنا لمرشح يرفع أجندة الدولة المدنية في مقابل مرشح بالكاد يخرج من عباءة الدولة الدينية-فالفريق أحمد شفيق الذي نال مؤازرة وتأييد أنصار الدولة المدنية لم يحالفه الفوز بينما الدكتور محمد مرسي الذي يأتي من خلال مرجعية دينية ويؤازره أنصار جماعة الإخوان المسلمين ودعاة الدولة الدينية هو من فاز في السباق...فالآن نهنئ الدكتور محمد مرسي ونضعه أمام كل ما التزم به خلال الشهر الماضي من أنه سيكون رئيسا لكل المصريين وسيعمل من أجل صالح مصر مرسخا المساواة بين جميع أبنائها ومعليا الديموقراطية وحقوق المواطنة.
هذه النهاية لسباق الرئاسة لعلها تحمل رحمة من السماء لهذا البلد,لأن مشهد الاعتصام والتحفز الذي كان عليه ميدان التحرير حتي قبل إعلان فوز محمد مرسي لم يكن مطمئنا إطلاقا,بل حمل كل ملامح التربص والتحريض والتهديد بعواقب وخيمة إن لم يفز محمد مرسي...الآن وبعد إعلان النتيجة النهائية نسمع تصريحات تشكر القضاء وتتحدث عن نزاهته,لكننا لا ننسي أنه قبل إعلان النتيجة كنا نسمع التصريحات التي تتهم القضاء وتستبيح التعريض به في إشارات إرهابية تحذر من مغبة إعلان فوز أحمد شفيق...وذلك في الحقيقة يقلقني أشد القلق لأنه بالقطع يرسخ مفهوما خطيرا مغلوطا في عقول ونفوس معتصمي التحرير بأن ما فعلوه هو الصواب وهو ما أفضي إلي فوز محمد مرسي,وهذا ما أود ألا أتركه يمضي دون كشف وحساب لأنه قد ينعكس علي أمور أخطر مازلنا بصددها...فهناك أجندة تمرد سياسي علي شرعية الدولة وعلي مؤسسة القضاء ما تزال تطرح بإصرار في ميدان التحرير وتتضمن التمرد علي حكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان انتخابات مجلس الشعب,كذلك التمرد علي الإعلان الدستوري المكمل,أيضا التمرد علي قرار حلف اليمين لرئيس الجمهورية أمام المحكمة الدستورية العليا...وغيرها وغيرها من أشكال التمرد التي قد تستمر وتنمو وتستفحل مستمدة قوة وبأسا من تصور خاطئ أن فوز محمد مرسي بالرئاسة إنما جاء بفضل ضغط وإرهاب ميدان التحرير...ولم لا؟...ألم يترك الميدان أسبوعا كاملا منذ انتخابات الرئاسة يسير علي هذا المنوال؟...تعالوا نتأمل ماحدث.
فالتجاوزات التي انطوي عليها مشهد حسم المرحلة الثانية من انتخابات رئاسة الجمهورية جسدت حالة التمرد والانفلات التي أصابت الشارع السياسي وأفسدت عرس الديموقراطية الذي تحدث عنه العالم بالإعجاب والاحترام في المرحلة الأولي لهذه الانتخابات....بدأت التجاوزات بشتي أشكال اغتصاب وتزييف إرادة الناخبين والتي وصلت إلي درجة الفضيحة الكارثية فيما نسب إلي المطابع الأميرية-ويجري التحقيق فيه-من طباعة دفاتر بطاقات التصويت ثم اختراقها بملء آلاف البطاقات قبل تسليمها إلي اللجان الانتخابية...ثم ما أن أغلقت اللجان الانتخابية أبوابها مساء الأحد17 يونية الماضي وسهرت مصر إلي الصباح تتابع ما يعلن من نتائج فرز الأصوات حتي فوجئ الجميع بالحملة الانتخابية للدكتور محمد مرسي تعقد مؤتمرا صحفيا في الرابعة فجر الاثنين لتعلن من جانب واحد- وبشكل قاطع-فوزه بمقعد الرئاسة دون أي إشارة لانتظار النتيجة الرسمية التي ستعلنها اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية,سواء كانت النتيجة المبدئية للفرز أو النتيجة النهائية بعد تلقي الطعون وفحصها والبت فيها.
كان المشهد ينطوي علي نية مبيتة لاختطاف النتيجة وحشد الأنصار وضخ مفاهيم مغلوطة متسرعة بينهم بأن السباق قد حسم بكل ما يمثله ذلك من تجاوز للأعراف الديموقراطية وتحد للقانون واللجنة الانتخابية,ولا غرابة بعد ذلك مباشرة أن نجد الاحتفالات تستشري عبر القطاعات السياسية والشعبية المؤيدة لمحمد مرسي,ثم تتلوها التصريحات المحرضة للجماهير للثورة علي المتغيرات التي استجدت علي وضع مجلس الشعب والإعلان الدستوري,وكان مسك الختام في التحريض والعبث بالاستقرار الوطني بالتهديدات المباشرة التي انطلقت بكل جرأة تحذر من أي محاولة لإعلان فوز المرشح المنافس أحمد شفيق لأن العواقب سوف تكون وخيمة.
هذا المشهد المؤسف وتداعياته السريعة شهدها الاثنين 18يونية,وتصورت وقتها أن الأمر جد خطير لأنه يهدد بانفلات سياسي يلتحف برداء الثورة ويؤلب الجماهير ضد شرعية السلطة والقضاء,وأنه يلزم علي وجه السرعة التدخل لإيقاف ذلك العبث قبل أن يتحول إلي بركان هادر يستحيل السيطرة عليه...تصورت أن يبادر المجلس الأعلي للقوات المسلحة باستدعاء كل من المرشحين محمد مرسي وأحمد شفيق ليطالبهما بضبط النفس والتعقل والالتزام بالمسار الديموقراطي الصحيح وترك إعلان النتائج النهائية للجنة العليات للانتخابات دون شوشرة أو تحريض.
لم يفعلها المجلس الأعلي للقوات المسلحة ومضي يوم الاثنين وتلاه الثلاثاء ثم الأربعاء, وهنا بات جليا أن الأوضاع تتردي من سئ إلي أسوأ وأن ما كان يمكن احتواؤه في مهده انفجر واستفحل وأخذ شكل تمرد وطني في ميدان التحرير يطيح بجميع سلطات الدولة ودعائمها لصالح محمد مرسي ومن ورائه جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة...وهالني مايحدث وأخذت أتساءل غير مصدق:كيف يترك هذا الإعصار المنفلت ينمو ويتضحم هكذا دون تدخل؟...إن الموقف يتحول إلي نوع من الإرهاب السياسي الذي يلقي بضغوط هائلة علي اللجنة العليا للانتخاب من العسير ألا تتأثر بها في معرض عملها لحسم الفرز والطعون والنتيجة النهائية...وتسلطت علي هواجس مخيفة بأن الساحة السياسية مقبلة علي مواجهات عنيفة ودموية لا يمكن التكهن بمداها أو عواقبها.
مضي الخميس والأمور تسير في اتجاه المزيد من التصعيد ومن بعده الجمعة التي شهدت ذروة الصراخ والانفلات حتي إن الشائعات حملت أخبارا مفزعة عن اعتزام المعتصمين في التحرير دعوة محمد مرسي لحلف اليمين كرئيس للجمهورية في الميدان...كل هذا استباقا للنتيجة الرسمية واغتصابا للسلطة وذبحا للقانون ولمؤسسات الدولة!!!
وسط ذلك التردي الرهيب الذي أصاب الكثير من المصريين بالهلع والقلق علي مستقبل انتقال السلطة صدر أخيرا ظهر الجمعة22يونية-بعد خمسة أيام عصيبة- بيان المجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي يحدد الأسس الواجب احترامها لحسم سباق الرئاسة ويحذر من مخاطر الخروج عن الشرعية أو التعدي علي القضاء أو استباحة هيبة الدولة,وأن أيا من تلك التجاوزات ستتم مواجهتها بمنتهي الحزم والقوة.
تنفست الصعداء لصدور ذلك البيان,لكني عجزت عن تفهم أسباب التمهل في إصداره حتي بعد انقضاء خمسة أيام كاملة علي انطلاق الشرارة الأولي لسيناريو اختطاف نتائج الانتخابات الرئاسية وبعد أن تحولت الشرارة إلي صاعقة وإعصار يصعب السيطرة عليه...إن من يعرفون قصة كرة الجليد يدركون جيدا أن الأفضل إيقافها في مهدها وهي لا تتجاوز حفنة من الثلج,بدلا من أن تترك تنحدر إلي أسفل الجبل حيث تنمو وتتضخم وتتوحش حتي تتحول إلي كرة مخيفة هادرة يصعب إيقافها فتهوي لتسحق كل من يعترض طريقها.
سباق الرئاسة انتهي...لكن تبقي كرة الجليد...فهل من يوقفها؟...لعل الرئيس محمد مرسي يستطيع باحترامه للشرعية والقضاء والقانون.