سحر الجعارة
(بعد 12 عاماً.. مصطفى حسنى يعتذر عن فيديو الحجاب قائلاً: «خالفت سُنّة النبى»).. خلف هذا المانشيت البرّاق تفاصيل لا يعرفها القارئ، كنت بحكم مهنتى طرفاً فيها مع بعض الكتّاب وروّاد السوشيال ميديا، ففى السابع من ديسمبر الحالى صُدمنا جميعاً بخبر على موقع «المجلس القومى للمرأة» مفاده أن الداعية «مصطفى حسنى» سيقوم بعمل فيديوهات توعوية لمناهضة العنف ضد المرأة!

عبّرنا جميعاً عن غضبنا من اختيار «حسنى» الذى اشتُهر بحلقة تليفزيونية كنجم شاب وقتها، فى برنامج له على قناة «اقرأ»، فعرض مجموعة مانيكانات (دمى) مرتدية أزياء مختلفة، استخدمها لـ«شرح الزى الشرعى للمرأة».. وهو ما اعتذر عنه مؤخراً.

لكن استياء التيار الإصلاحى لم يكن بسبب هذا الفيديو فحسب، بل بسبب حلقات أخرى تغزّل فيها «حسنى» بالقطب الإخوانى «حسن البنا» وكذلك «زينب الغزالى» و«أردوغان» المعادى لمصر.

كتبت على صفحتى بالفيس بوك رسالة موجهة للدكتورة «مايا مرسى»، رئيسة المجلس القومى للمرأة، قلت فيها: إن مَن أفسد حياة النساء وحرّض على التحرش بهنّ من خلال «مانيكان» لإعلانات «كارينا» لن يُصلحها! ومَن جعل ضرب الزوجات واغتصابهن فى الفراش «حلالاً» لن يوقف العنف ضد المرأة.. الإخوانى «مصطفى حسنى» قد يروّج للعنف لكنه لا يناهضه فخلفه تاريخ يفرض نفسه بمجرد رؤيته.

تصحيح صورة المرأة فى الإسلام لا يحتاج حملة دعائية، بل يحتاج لاستبعاد «مصطفى حسنى» ورفاقه من المشهد.

كانت رسالتى حادة وعنيفة، خاصة أننى من الداعمين لجهود المجلس القومى للمرأة، والمتابعين لنشاطه فى دعم النساء.

فى اليوم التالى تواصلت معى الدكتورة «مايا».. وأكدت لى ما يلى:
- اختيار مصطفى حسنى لتقديم فيديوهات مناهضة للعنف ضد المرأة هو اختيار لجنة الشباب وهذا حقهم.

- المجلس تراجع عن المشروع بأكمله بعدما علموا بموقف حسنى من تحجيب النساء وخلفيته الإخوانية.

- أبلغت الدكتورة «مايا» أن التراجع لم يعلن -على لسانها- فى أى موقع إخبارى موثوق فيه.. فطلبت منى الكتابة نيابة عنها.

- تتفق معنا الدكتورة مايا فى أن التوعية لا تقتصر على رجال الدين وأن بالمجلس رموزاً فكرية وفنية وثقافية يمكنها القيام بهذا الدور.. ونشرت ما دار بيننا على الفيس بوك بالنص.

وفى هذا التوقيت كان منشور الدعاية للمشروع قد تم رفعه من على موقع المجلس، ثم دخلت الدكتورة «دينا حسين»، رئيسة لجنة الشباب بالمجلس القومى للمرأة، على صفحتى وكتبت: (تم إيقاف الفعالية الخاصة بالداعية «مصطفى حسنى» ولكن لازم أوضح وجهة نظرنا كشباب حتى نتقبل بعض أكتر.

١- «حسنى» من أكثر الشخصيات المؤثرة عند الشباب وده واقع لا يمكن تجاهله.

٢- نحن شباب تتغير شخصياتنا بعدد السنوات والخبرات من الحياة، وإذا كان أخطأ من ٧ سنوات أو أكثر فالله يغفر، ويقبل أن يعدل المرء فى توجهاته، وأكبر دليل أنه محبوب حالياً جداً فى الفئة الشبابية ومؤثر فهل نترك لناس آخرين استغلال تأثيره فى اتجاه يدمر المجتمع.. أم نستغله نحن فى لغة متحضرة ومعتدلة دينياً ومدافعة بالدرجة الأولى عن حق المرأة؟

٣- جيل الشباب يسانده مساندة كبيرة والجيل الأكبر يحب أن يسمع شيوخاً أفاضل آخرين).

فى هذه اللحظة كنت لا أزال على اتصال بالدكتورة «مايا».. لكن الصديق كابتن طيار «حورس الشمسى»، وهو واحد من أبرز المفكرين والمؤثرين على السوشيال ميديا، رد على د. «دينا» قائلاً: (أولاً: حضراتكم قادة المجتمع.. فيجب أن تقودونا للأمام لا أن تنتصروا لتفاهتنا أو تخلفنا أو قصر نظرنا..

كيف يكون عندكم قامة مستنيرة مثل الدكتور «سعد الدين الهلالى» وتتجاهلونه وتأتون بالإخوانى الذى حرّض الرجال على أى امرأة ترتدى ما لا يتناسب مع مازورة قياس والدته!.

ثانياً: حضرتك تبررين دعوته بشعبيته.. طيب ما تجيبوا حسن شاكوش وأورتيجا لو أن قيادة المجتمع للأفضل تكون بإرضاء القطيع!.

ثالثاً: حضرتك قلتِ إن الإنسان يتغير.. ونحن نؤيدك.. لكن هل قال «مصطفى حسنى» إنه تغير؟.. إن الحجاب ليس فريضة؟.. إن المرأة حرة فى ارتداء ما تراه مناسباً؟.. إنه لم يعد يؤيد الحكم الدينى؟

لا لم يحدث..

إذن الحقيقة هى أن حضرتك استضفتِ إخوانياً كارهاً لحرية المرأة لم يتغير ولم يعتذر.

رابعاً: مَن يريد صلاح هذا المجتمع عليه ألا يزيد من تعلق الشباب برجال الدين.. لأننا لو عزّزنا فكرة أن رجل الدين هو قائدك الفكرى.. فنحن نبرر فى نفس اللحظة لآخر تمسكه برجل دين ينادى بقتلنا كقائده الفكرى).

هكذا وُلدت فكرة «الاعتذار» فى هيئة طلب مهذَّب من «الشمسى».. وبالمناسبة أنا لست من الرافضين للاعتذار.. بل على العكس أتصور أن شاباً فى عمر وثقافة «حسنى» يمكن الاستفادة منه، ولكن ليس بالاعتذار عن حلقة «حجاب المانيكان» فحسب، بل على مواقفه الداعمة لرموز الإخوان وهم جماعة إرهابية بحسب القانون المصرى.

نحن لسنا ضد «حسنى» شريطة أن يتطهر من خلفيته السياسية، وفى هذه الحالة سنكون كسبنا «داعية» له مصداقية عند الشباب.. ليس عاراً أن يخطئ الإنسان أو يضل الطريق.. الخطأ أن يتجاهل تاريخه الموثق بالصوت والصورة ويتحلى ببدلة جديدة متوقعاً أن المجتمع بلا ذاكرة.. ولا أقول يغفر فالتوبة والغفران من صفات الله تعالى.

لقد لخصت وقائع التجربة كما حدثت تماماً، لأنها تجربة غاية فى الأهمية تعكس احترام قيادة نسوية رائدة «مايا مرسى» للضغط الشعبى، واستجابة داعية له جماهيرية واسعة لتيار الإصلاح والاستنارة (بالاعتذار).. وكل ما أتمناه أن يكون «القبول الاجتماعى» لوجود «حسنى» فى صدارة المشهد مبنياً على مراجعة «سياسية ودينية» لمواقفه.. وليس على خدعة أو زيف.
نقلا عن الوطن