محمد حسين يونس
عشت علي هذه الأرض لثمانين سنة .. يمكن تجاوزا تقسيمها إلي اربعة مراحل كل منها عقدين من الزمان ..
المرحلة الأولي من 1940 – 1960 كنت طفلا يتعلم كيف يمشي و كيف ياكل و كيف ينطق الكلمات ..يمتص ما حوله ..و يكون شخصيته .. في مدارس الرهبات ..ثم مدرسة فاروق الأول الثانوية أهتف في طابور الصباح بحياة الملك .. ثم السنوات الأولي من هندسة عين شمس . طالب متحمس للثورة و قائدها
في هذا الزمن عانيت من وجد المشاعر الأولي للتعرف بالجنس الأخر في علاقات رومانسية خاصة .. و مارست تفوقا دراسيا في المراحل المختلفة من التعليم .. و فشلت في إجتياز إعدادى هندسة من أول مرة فرسبت .. و قضيت سنتين تاليتين أعيد ترميم ما تم كسرة بسبب الرسوب ..
فقرأت عشرات الكتب الهامة التي أعادت تشكيل عقلي و توجهاتي الفكرية لسنين تالية .. و لعبت رياضة .. وهزمت لاكثر من مرة .. ثم حصلت علي جوائز في الملاكمة والفولي بول و البينج بونج .
و تعرفت علي مدن مصرية مثل الأسكندرية و الأقصر و أسوان والمنصورة ..و عشقت أثار مصرية مثل الكرنك و معبد حتشبسوت بالدير البحرى ..
و تعرفت علي الموسيقي الكلاسيكية .. و أغرمت بختاشاتوريان و بتهوفين و باخ .. و تعرفت علي الموسيقي الشعبية و كنت أذهب لصواوين الحسين في رمضان أستمع لخضرة .. و أبودراع ..و تواشيح ماقبل الفجر ..
و كنت أذهب من منزلنا لمدرستي ثم الجامعة سيرا .. و أقوم برحلات للمقطم و الأزهر و الهرم .. مشيا علي الاقدام .. و مشيت في أكثر من مظاهرة ضد الإنجليز و الملك .. منها واحدة نظمتها مصر الفتاة للحركة من أمام عمر أفندى بشارع فؤاد إلي قصر عابدين .. و تقديم شكاوى للملك ..كانت في تنظيم و إنضباط ما نراه اليوم من مظاهرات في دول أوروبا .
لقد ذهبت مع والدى لمؤتمرات الحزب ..في البيت الأخضر .. و قرأت في صحفة ( مصر الفتاة و الإشتراكية ) .. و إنضممت لحملات الشبان المسيحيين لجمع تبرعات من أجل مشاريع كوبرى الليمون لرعاية الأيتام ..
كانت عشرين سنة شديدة الثراء .. و كانت المرحلة التي أحببت فيها جمال عبد الناصر و حفظت كل الأغاني التي تمجده .. وبكيت في قيلم (( إنت من الأحرار يا علي )).. عندما التقي إبن الجنايني بإنجي .بعد الثورة ..
و سيرت في شوارع حينا أثناء العدوان الثلاثي أضع علي رأسي خوذة و أنادى ( طفي النور ) ليلا خوفا من غارات العدو ..
لقد عشت النصف الاول من هذه الفترة في ظل حكم الملك .. أتعلم من الرافضين لحكمة و أسلحته الفاسدة .. و ثراء الإقطاعيين .. و فضائحهم .. و في نفس الوقت .. في وله و محبة .. للفخامة ..و الرقي الملازم للعائلة المالكة أخرج في الشارع أرى مواكبها .. يوم زفاف الملك بالملكة ناريمان .. و أستمع لموسيقات ميرى في الحدائق بمناسبة عيد ميلادة وذكرى يوم جلوسة علي العرش .. و اقف بين الناس أشاهد المحمل و هو ذاهب للسعودية حاملا كسوة الكعبة ..
اركب الترماى .. و اذهب به الي حديقة الحيوانات و الهرم و مصر الجديدة .. و اكل تروا بتي كوشو في الأمريكين و كساتا جروبي .. و أشاهد أفلام طرزان .. و الغوريلا كينج كونج .. و البس في العيد ملابس جديدة .. و أفرح بالريال الذى يعطيه لي عم أمي الذى كنت أطلق علية جدى .. و أذهب لخال أمي في الكازينو الذى يلعب فية كونكان .. و أحضرة لمنزلنا .. و أذهب مع طنط عواطف جارتنا لنقابل صاحبها و نبدو كعائلة خطيب و خطيبة و أخوها .. لقد عشت طفولة غنية تعلمت فيها جيدا .. و إستمتعت بالحركة في المدينة الأمنه .. و باكر نحكي عن ((الجزء الثاني من هذة الفترة عندما إنقلب أنكل جمال علي الملك و حكم مصر ))