كتب : د. مينا ملاك عازر
أسمح لي صديقي القارئ أن أحملك معي في مغامرة من الأدب الفاتن للعقول والقلوب، لتعرف معي كيف يصنع وجدان البشر في الدول المتقدمة؟ وكيف تصنع المناهج التعليمية؟ وربما نتعرف كيف تتقدم الدول؟ وكيف يصاغ تاريخها لأطفالها؟ ليس فقط تاريخها ولكن جغرافيتها وعلوم أخرى، فتعالى معي إذا سمحت.
تعود أصول المغامرات الرائعة لنيلز هولغيرسون إلى الأدب العجائبي دون شك، خصت بها الكاتبة سلمى لاغرلوف الجغرافيا والثقافة السويدية بصورة غير مسبوقة في التاريخ الأدبي، ومن هنا برزت علامات خلود هذا الكتاب وانتشاره العالمي كعمل قل نظيره في التاريخ الأدبي.
مؤلفة هذا الكتاب هي سلمى لاغرلوف التي ولدت في العام 1858 في عائلة مكونة من ستة أطفال في أقليم مارباكا في مقاطعة فارملاند، في شمال السويد، على الحدود النرويجية، وعملت معلمة في بلدة لاند سكرونا، لمدة عشرة أعوام تقريباً، قبل أن تحصل على شهرة واسعة بسبب نشر روايتها الأولى ملحمة غوستا برلنغ في عام 1891، فانخرطت في مسيرة أدبية حافلة بالإنجازات الكبيرة، حيث أصدرت: الروابط غير المرئية 1894، عجائب المسيح الدجال 1897، ملك البرتغال 1900، كنز السيد آرني 1904، مغامرات نيلز العجائبية 1906، البيت العتيق 1910، مارباكا 1922، ذكريات من طفولتي 1930، ويوميات سلمى لاغرلوف 1932. توجت هذه المسيرة أخيراً بالحصول على جائزة نوبل للآداب في العام 1909، وهي أول امرأة تحصل على هذه الجائزة التي انطلقت في العام 1901، ولم تتوقف مسيرتها الأدبية عند هذا الحد مع هذه الجائزة الكبيرة، إنما أصبحت هي إحدى مانحيها، حيث انضمت في العام 1914 لتكون أحد أعضاء الأكاديمية السويدية، وعضواً في لجنة التحكيم التي تمنح جوائز نوبل، حتى وفاتها في ستوكهولم في عام 1940.
كتبت سلمى لاغرلوف كتاب مغامرات نيلز العجيبة بناء على طلب وُجّه إليها في العام 1902 من جمعية المعلمين الوطنية، والغرض هو تأليف كتاب للجغرافيا يتم من خلاله التغلب على صعوبات تدريس هذه المادة للطلاب ونفورهم من هذه المادة التعليمية، مما يؤدي إلى جهل الطلاب بأحوال السويد وثرواتها وتنوع مناطقها.
فكرست له الكاتبة ثلاث سنوات من حياتها تجوب فيها الأقاليم السويدية وتتعرف على أشجارها وحيواناتها وتضاريسها وسكانها وأساطيرها وأغانيها الفولكلورية ومختلف المستويات اللهجية للغتها لتذيبه على نحو بارع في كتابها الذي صدر جزؤه الأول في العام 1906، وصدر جزؤه الثاني في العام التالي، وقد أحدثت لاغرلوف في هذا الكتاب تجديداً جذرياً في اللغة السويدية سواء أكان على المستوى النحوي أو البلاغي وحتى اللفظي، فقد أدخلت العديد من الاستخدامات اللغوية المحلية إلى اللغة السويدية، فأصبح نقطة بارزة أو علامة على تحول في الاستخدام اللغوي على المستوى الوطني، وكان النجاح الفوري الذي حققه الكتاب، والشهرة السريعة التي حققها على المستوى الوطني قابله موافقة الدولة السويدية والأكاديمية السويدية على نحو خاص على مشروعها في التجديد اللغوي، وتقريراً لما صنعه هذا الكتاب في التحول اللساني والنحوي والمعجمي، فأحدث الكتاب ثورة وتحولاً هائلاً في هذا البلد الاسكندنافي البارد والبعيد ذلك الوقت عن أوروبا، وأحدث في البلاد، بل وفي العالم، لسرعة ترجمته إلى لغات أخرى، تحولاً في البيداغوجيا التعليمية، وأثراً هائلاً في إمكانية السرد على تقديم مادة علمية على نحو ممتع ومؤثر في مراحل عمرية مهمة في السياق الوطني والسياسي والثقافي العام للبلد.
عذراً صديقي القارئ، نتوقف هنا لنلتقي المقال القادم لنتناول بمزيد من العرض حكاية نيلز والمزيد عن تاريخ الكاتبة الحائزة على جائزة نوبل انتظرونا.
المختصر المفيد الخيال هو الوسيلة الأهم لتعليم الأطفال وصنع واقع أفضل.