بقلم: د. يحيي الوكيل

يبدو ان معاوية بن أبى سفيان قد بعث من جديد، و أشار على المرشد بأن يلجأ لأن يطلب من غرمائه أن يرشحوا له أبا موسى الأشعرى – ثانية – ليكون عضوا فى هيئة الحكم و ليس التحكيم هذه المرة، ليعيد التاريخ نفسه و يتسبب أبو موسى مرة ثانية فى سحب الشرعية من على و من مثله، و يضفيها على أشباه معاوية...

لمن لا يذكر القصة، فقد اشتبك معاوية و ليس له حق فى الخلافة مع على بن أبى طالب – الخليفة الشرعى – و أنصاره، و لما اشتد الصراع و طال و خوفا من الوصول لمرحلة التدمير الكامل، تم اقتراح أن يقبل الخصمان بالتحكيم بينهما يقوم به منوب عن كل منهما. اختار علىٌ أبا موسى الأشعرى و هو رجل اشتهر بالورع و التقى لينوب عنه، و اختار معاوية عمرو بن العاص الداهية، فكان كل واشيا بأخلاق صاحب الاختيار، و كانت النتيجة بذلك معروفة قبل أن تبدأ المفاوضات.
 
احتال الداهية على الورع، فدفعه للموافقة على أن يخلعا المتنافسين معا من الخلافة، و دفعه لقبول أن يبدأ بالكلام أيضا، فخرج أبو موسى للناس يعلن أنه خلع عليا من الخلافة و لم يلتزم الداهية بوعده و خرج ليثبت معاوية فى الخلافة، فتشتت الكثيرون من حول على لإعلانه أنه سيقبل بالتحكيم سابقا فزادوه ضعفا عما وصل إليه بانشقاق الخوارج عنه لقبوله التحكيم من الأصل، و انتهى الأمر برمته لخسارة على الخلافة و حياته و فوز معاوية بهما و انشقاق ما زال إلى اليوم بين "الأمة الإسلامية" بطوائفها المختلفة.
 
القصة تتكرر ثانية بإعلان الدوتشى مورسيلينى أنه سيعين نائبا مسيحيا له، و الكل يعلم أنها مسرحية لشق صف معارضى الإخوان بمداهنة المسيحيين و ترك الليبراليين و العلمانيين و كل الاتجاهات السياسية جانبا، ثم بشق صف المسيحيين أنفسهم بالاختلاف على اسم مرشح منهم، و بعد كل ذلك سيكون النائب بلا صلاحيات محددة و لا يستطيع من أمره شيئا – بل و سيصل الأمر إلى استعماله "كمحلل" لكل الفظائع و الظلم الذى سيصيب الناس و الذى سيحلل بمنطق أن منكم من هو فى الحكم و لو ان الأمر فيه ظلم لما سكت عليه.
 
الكل يعلم بلا رياء أن المأثور الإسلامى الذى تستمد منه الجماعات الإظلامية كلها شريعتها – سواء كانوا من الإخوان أو التلفيين أو الجماعات – يقضى بأن لا ولاية لغير مسلم و أن لا ولاية لإمرأة، و الكل يعلم أن الدوتشى لا يملك مخالفة هذه الشرائع، بل أن ديدنه هو تطبيق هذه الشريعة بزعم أنها شريعة الله. فلن ينخدع أحد بدعاية الإخوان أنهم يبحثون على التوافق و التآلف و المصالحة الوطنية، فهم لا يهمه إلا المغالبة و فرض شريعتهم الخاصة على كل أرض هم فيها.
الأمر الآخر الذى يستحق الذكر هو رفض "الجناح الآخر" من أعضاء حزب النور لهذه المبادرة، و اعتراضهم القاطع على تعيين نائب مسيحى و ذلك لأن شريعتهم ضد ذلك. و لأن كما ذكرت سابقا فشريعة الإخوان و التلفيين واحدة، فيجب التوضيح هنا أن الإخوان يداهنون فقط و يراءون أما التلفيون فعداوتهم مباشرة و صريحة و كراهيتهم معلنة بينما يتقن الإخوان إخفاءها فى الصدور و رسم البسمات المزيفة على الوجوه. على أية حال فهذا الرفض سيعطى الإخوان الحجة للضغط على حزب النور لتحقيق مكاسب أخرى، كتخفيض نسبة الوزراء التلفيين إلى الإخوان فى "الوزارة" الجديدة – التى يرغب التلفيون فى إلغائها و استبدالها "بأهل الحل و العقد" بالمناسبة – مقابل أن لا يكون نائب قبطى لرئيس "الجمهورية" – و هو ما لا استبعد أن يخرج علينا المنادى ذات صباح بتغييرها إلى "الولاية الإسلامية" و رئيسها الوالى.
 
و هذا سهل، فالخلافات على اختيار الاسم قادرة على تدمير الفكرة، و لو حتى تم اختيار اسم معين فمن يقبل أن يكون أرجوزا بلا صلاحيات فى نظام فاشى بامتياز؟ و بذلك يخنق الأمر نفسه و يكسب معاوية على طول الخط.
 
أرجو من المسيحيين أن لا يدفعوا بمن يقال أنه يمثلهم للمشاركة فى هذا النظام الفاشى الفاشل مسبقا، و لو خرج منهم كويسلنج جديد فعليهم أن يدينوه، و أن يكون واضحا بجلاء أنه يمثل نفسه و فكره فقط و ليس الكتلة المسيحية جامعة... فعلى المعارضة أن لا تفرق صفوفها بأى شكل حتى تكون فاعلة فى الصمود امام هذا النظام الفاشى، و الكتلة المسيحية و لا شك تمثل ثقلا لا يستهان به – هذا إن كفوا هم كمسيحيين عن الاستهانة بأنفسهم.