بقلم : الدكتور مجدى شحاته
الكتاب المقدس ليس كتابا علميا لكنه كتابا روحيا موحى به من الله ، يتوخى الدقة حين يتطرق الى المسائل العلمية ، بل هناك من الاكتشافات والنظريات العلمية المذهلة تكلم عنها الكتاب المقدس قبل ان يكتشفها العلماء بآلاف السنين . على سبيل المثال وليس الحصر : كان يسود العالم كثير من الخرافات ، ان الارض مرتكزة على شىء ما يحملها . فالاغريق كانوا يعتقدون ان الاله أطلس يحمل الارض على عنقه وكتفه . وآخرون كانوا يعتقدوا ان الارض محمولة على ظهر فيل كبير يقف فوق سلحفاة ضخمة تسبح فى بحر لا نهائى .قبل تلك الخرافات بآلاف السنين جاء فى سفر أيوب النبى " يمد الشمال على الخلاء وعلق الارض على لا شىء " ( اى 26 : 7 ) . هذه الحقيقة العلمية المذهلة ، التى تؤكد ان الارض معلقة فى الفضاء ، اكتشفها العلماء كوبرنيكوس وجاليليو واسحق نيوتن بعد ان جاءت فى العهد القديم ومنذ آلاف السنين . مثال آخر من عشرات الامثلة ، حيث اشار أشعياء النبى بكل الوضوح والصراحة الى حقيقة فلكية مذهلة ، وهى : كروية الارض . " الجالس على كرة الارض " ( اش 40 : 22 )
. تلك الحقيقة التى اكتشفها علماء الفيزياء والفلك بعد آلاف السنين من كتابة سفر أشعياء النبى ، على وجه التحديد عام 1519 ميلادية عندما قام البحار الشهير ( ماجلان ) برحلة بحرية حول العالم ، مكتشفا كروية الارض . بعدها اخترع عالم الفلك جاليليو المنظار الفلكى ليبرهن كروية الارض وقد واجه معارضة شديدة وحكم عليه بالنفى . والامثلة كثيرة التى تؤكد على الحقائق العلمية التى جاءت فى الكتاب المقدس ، من الصعب الاشارة اليها فى مقال واحد . لكن لابد ومن الانصاف ان نقرر ان هناك الكثير من الآباء الاساقفة والرهبان والكهنة من الكنيسة قدموا على مر التاريخ مساهمات علمية عظيمة رائدة فى مختلف مجالات العلوم ، منها الفلك والفيزياء والكمياء والطب والصيدلة والوراثة والرياضيات والذرة والاحياء وغيرها من العلوم . رجال من رواد الكنيسة المسيحية ، سجلوا اسمائهم فى سجل التاريخ كعلماء من الطراز الاول ، فى نفس الوقت لديهم الايمان القوى والراسخ ، لقبول كل ما جاء فى الكتاب المقدس ككتاب روحى وليس مرجعا علميا .
الايمان هو الثقة بالمقدسات الالهة غير المنظورة ، كحقائق واقعة وحاضرة . فيحيا الانسان فى يقين من جهه الامور غير المرئية وغير الملموسة بالحواس الطبيعية . الايمان أمر يفوق مستوى العقل ، وان كان العقل يقودنا الى بداية الطريق الى الله ، الا ان الايمان هو الدافع القوى والمحرك الفعال الذى يكمل معنا الى أقصى الطريق الى الله . الايمان لا يتعارض مع العقل والعلم، لكنه يفوق العقل الى مراحل لا يمكن للعقل ان يصل الي مداها البعيد بدون الايمان . الايمان يبدأ صغيرا ، ويظل يكير ، والله ينميه فى داخل الانسان الى ان يثق فى وعود الله تماما .
الايمان فعل انسانى بشرى أصيل لا يخالف حريته ولا عقله ، لكنه يضع كل الثقة واليقين فى الله وان يعتنق الحقائق التى يوحى بها . من هذا المنطلق أعطانا الكتاب المقدس مفهوم عريض للايمان على فم القديس بولس الرسول فى رسالته للعبرانيين ( عب 11: 1 ) " الايمان هو الثقة بما يرجى والايقان بأمور لا ترى " وعبارة " امور لا ترى " عبارة واسعة المعانى ، فالانسان المؤمن يتمنى امور كثيرة بعد انتقاله من العالم ، يرجو الحياة الابدية مع الله وعشرة الملائكة والقديسين فى جسد نورانى روحانى غير قابل للفساد ، واضعا كل الثقة فى تلك الامور ثقة كاملة دون ان يكون لديه اى براهين او اثباتات ملموسة لهذا اليقين ... انه الايمان . العقل قد لايدرك أشياء كثيرة ، لكنه لا يرفضها ، بل يقبلها ويفرح بها و يتعامل معها
. فالعقل لا يدرك الكثيلا من المخترعات الحديثة مثل الانترنيت والجراحات الدقيقة او غزو الفضاء ، امور لا يدركها ولا يفهم كيف تتم غير المتخصصون ، الا ان عقل الانسان العادى يقبلها ويتعامل معها دون ان يدرك او يستوعب كيف تعمل او كيف تتم . الايمان فوق الحواس ، فالامور المادية تشعر وتحس بها الحواس المادية ، ولكن كثير من الامور الروحية غير المادية ، تخرج عن نطاق قدرة الحواس البشرية . فعقل الانسان لا يدرك كيف تتم المعجزات ، لكنه بالايمان يقبلها بسهولة ، المعجزة هى حادثة تحدث بقوة إلهية خارقة لمجرى الطبيعة العادى ، تؤكد وتثبت إرسالية من كان سبب الحادث أو من جرت على يديه . فهى حدث فوق الطبيعة المألوفة ، وأنها تبدأ من حيث تنتهى كل مقدرة بشرية لذا سميت ( معجزة ) لأن العقل البشرى يعجز عن فهمها او ادراكها ولا يجد تفسيرا عن كيفية حدوثها فهى حدث خارج نطاق الفكر البشرى . لذا نجد الانسان المؤمن لا يجعل من عقله مقياسا لكل ما يؤمن به ، لكن يكون لديه يقين داخلى بوجود اوحدوث امور يصعب على العقل ادراكها . فى نفس الوقت الذى يؤمن كل الايمان بان الله هو القادر على كل شئ .
ولما كان السيد المسيح ( اقنوم الابن ) هو اللإله المتجسد على الارض ، فهو القادر على كل شئ . فقد تنبأ عنه أشعياء النبى انه الأله القدير" ويدعى اسمه عجيبا مشيرا الها قديرا " ( اش 9 : 6 ) . وقد أعلن السيد المسيح عن نفسه بذلك صراحة وبكل وضوح فقال : " أنا هو القادر على كل شئ " ( رؤ 1 : 8 ) . والسيد المسيح قال لنا : " بدونى لا تقدرون أن تفعلوا شيئا " ( يو 15 : 5 ) . وهذا يتمشى مع قول معلمنا بولس الرسول : " أستطيع كل شيئ فى المسيج الذى يقوينى " ( فى 4 : 13 ) . وقد قال السيد المسيح عن قدرته المطلقة : " بدونى لا تقدرون أن تفعلوا شيئا " . ولماذا بدون السيد المسيح لانقدر ان نفعل شيئا ؟ لأنه وحده مصدر القوة والقادر على كل شئ .
ان عقل الانسان ( المحدود ) يستخدم المنهج العلمى ( المحدود ) فى فهم وادراك الامور المادية الملموسة ( المحدودة ) ، بينما الايمان الذى يفوق ويسمو فوق الامور المادية الملموسة يمكن من خلاله قبول كافة الامور الروحية ( غير المحدودة ) . مثل المعجزات التى جاءت فى العهدين القديم والجديد من الكتاب المقدس والمعجزات الكثيرة التى اجراها السيد المسيح منها اقامة الموتى ، ومعجزات الخلق من العدم ، كما فى معجزة خلق عينان للمولود أعمى او اشباع آلاف من البشر بواسطة خمس أرغفة وسمكتان ، وشفاء آلاف المرضى بأمراض مستعصية منهم العميان والمشلولين والبرص والبكم والصم واخراج الارواح الشريرة ومعجزات كسر قوانين الطبيعة مثل المشى على سطح مياه البحر واسكات العواصف وتهدئة امواج البحر الثائروغيرها من المعجزات المبهرة التى لايمكن تفسيرها بالمنهج العلمى لكن نقبلها بالايمان وان الله قادر على كل شئ . الموضوع يطول شرحه .. يحتاج سلسلة من المقالات ... ربما مجموعة من الكتب .