إعداد / نجيب محفوظ نجيب.
القديس العظيم فيلوباتير مرقوريوس ، كما لْقب بأبي سيفين لأنه ظهر له ملاك الرب وأهداه سيفًا بجوار سيفه العسكري، وكان هذا السيف هو سّر قوته.
ولد بمدينة إسكنطس من أعمال مقدونية في شمال بلاد اليونان حوالي سنة 224م من أبوين وثنيين سمّياه فيلوباتير أي المحب لأبيه، وكان أبوه ياروس ضابطًا رومانيًا وفيلوباتير جنديًا ناجحًا وشجاعًا حتى نال لقب Primicerius.
كان والده ياروس وجدّه فيروس يصيدان الوحوش من أسود ونمور ويقدمانها للملوك والأمراء مقابل مكافأة يعيشان منها.
ذات يوم إذ كان الاثنان في الغابة وقد نصبا شباكيهما ينتظران الصيد. فرأيا وحشين غريبين. أفترس الوحشان الجدّ فيروس أما ياروس فأغمى عليه، إذ لم يحتمل أن يرى والده بين أنياب الوحشين.
أنطلق الوحشان إليه، وإذ فتح عينيه ورآهما ارتعب جدًا، لكنه سمع صوتًا من السماء يقول بأن يسوع المسيح يقدر أن ينزع عنهما طبعاهما الوحشي فيكونا كحملين وديعين. قال السيد المسيح لياروس:
"يا ياروس أنا هو الرب يسوع المسيح إلهك الذي أحبك وأنقذك من هذين الوحشين...
وإني أدعوك إلى نور الإيمان، ستكون إناءً مختارًا لي، واخترت ابنك ليكون لي كشجرة مثمرة، يحمل اسمي أمام ملوك وولاة كثيرين...
وسوف يتألم بعذابات متنوعة لأجل اسمي. لا تخف ولا تضطرب فإني أكون لك ترسًا ومنقذًا ... "
إذ عاد ياروس إلى بيته بعد غياب ثلاثة أيام سألته زوجته عن سبب غيابه فروى لها ما حدث. وكم كانت دهشتهما فإنها قد سمعت ذات الصوت وتمتعت بدعوة السيد المسيح لها لكي تؤمن به.
أعتمد ياروس وزوجته وأبنه على يد الأسقف الذي أعطاهم أسماء جديدة. فدعا ياروس نوحًا وزوجته سفينة وفيلوباتير مرقوريوس. ومنذ هذا الحين أخذت عائلة القديس في السلوك في جميع وصايا الرب وأحكامه بلا لوم وكانت تكثر من عمل الصدقة.
أنتشر خبر إعتناق الأسرة للمسيحية حتى بلغ مسامع الأمير الذي أرسل في استدعائه مع عائلته، فأمر بإلقائهم للوحوش، ولكن الرب أنقذهم وسد أفواههم فلم تجسر أن تؤذيهم حتى اندهش جدًا هو وجميع جنوده، فدعاه وأستسمحه وولاّه رئاسة الجند.
وحدث أن أغار البربر على الروم فقام نوح وقاتلهم بشجاعة ولكنهم أسروه مدة سنة وخمسة أشهر، نال خلالها نعمة في عينيَّ ملكهم حتى ولاّه على المملكة من بعده.
وبعد هذه المدة دبّر الرب عودته لمدينته حيث التقى بأسرته مرة أخرى، ومضت مدة قصيرة على لقاءهم ببعض ثم تنيّح بسلام.
بعدما أنتقل الأمير نوح والد القديس قام ديكيوس Decius الملك (201 ـ 251 م) بتوْلية أبنه مرقوريوس عوضًا عنه، ولم يكن مرقوريوس قد تعدى العشرينيات من عمره، إلا انه قد ورث من أبيه شجاعته وجرأته ومقدرته الحربية والعسكرية، وحدث أن أغار البربر على مدينة روما وهدّدوها حتى خاف الإمبراطور وانزعج، إلا أن القديس طمأنه وشجّعه ثم قام بنفسه بقيادة الجيش الإمبراطوري.
ظهر له ملاك الرب الملاك ميخائيل بلباس مضيء وأقترب منه وهو حامل بيده اليمنى سيفًا لامعًا وناداه قائلاً: "يا مرقوريوس عبد يسوع المسيح لا تخف ولا يضعف قلبك بل تقوّ وتشجّع، وخذ هذا السيف من يدي وأمضِ به إلى البربر وحاربهم ولا تنس الرب إلهك متى ظفرت و أنتصرت. أنا ميخائيل رئيس الملائكة قد أرسلني الله لأعلمك بما هو مُعد لك، لأنك ستنال عذابًا عظيمًا على اسم سيدنا يسوع المسيح له المجد، ولكني سأكون حافظًا لك وسأقوّيك حتى تكمل شهادتك، وستسمع كل المسكونة عن جهادك وصبرك ويتمجد اسم المسيح فيك".
فتناول القديس فيلوباتير مرقوريوس السيف من يد الملاك ميخائيل بفرحٍ، وما أن أمسكه حتى شعر بقوة إلهية تملأه، ثم مضى بالسيفين ( سيفه الخاص والسيف الآخر الذي سلّمه له الملاك ميخائيل ) وهجم على البربر فأهلكهم مع ملكهم.
في الوقت الذي وهب الله القديس فيلوباتير مرقوريوس الإنتصار على الأعداء، كان عدو الخير يهيئ حربًا ضد الكنيسة، حيث أمتلأ قلب ديكيوس بالشر وبعث منشورًا إلى جميع أنحاء الإمبراطورية في سنة 250 لميلاد السيد المسيح جاء فيه:
"من ديكيوس إمبراطور روما إلى جميع أنحاء الإمبراطورية. ليكن معلومًا أن آلهة الآباء والأجداد كتبت لنا الYkjwhv. فيلزم على الجميع أن يسجدوا للإله ابولون ويتعبدوا للإلهة ارطاميس. وقد أصدرت أوامري للجميع بتقديم البخور لها، وكل من يطيع أوامري ينال كرامة، أما من يخالف أوامري فيْعذب ويقتل بالسيف". ( من الإمبراطور ديكيوس ـ صدر في روما في السنة التاسعة من حكمه السعيد .) .
على أثر هذا المنشور الذي بعث إلى كل أنحاء الإمبراطورية أرتد البعض عن الإيمان، لكن كثيرين شهدوا للرب، دخلوا السجون وأحتملوا الآلام، وأستشهد كثيرون.
بعد هذا الإنتصار العظيم لاحظ ديكيوس غياب مرقوريوس عن حفل تقديم قرابين الشكر للآلهة، وحين إستدعاه لسؤاله عن سبب غيابه ألقى القديس بلباسه العسكري في وجه الإمبراطور قائلاً: "لن أنكر إلهي يسوع المسيح".
أمر ديكيوس بالقبض عليه وتعذيبه في السجن بتمزيق جسده بالدبابيس والأمواس الحادة ووضع جمر نار على جانبيه ليحرق وهو حيّ .
أرسل الله له رئيس الملائكة الملاك ميخائيل الذي شفاه من جراحاته وشجّعه وعزّاه وأعطاه السلام ثم انصرف عنه. في الغد أندهش الملك إذ رآه سليمًا معافى، فإزداد غضبه وحقده على القديس فيلوباتير مرقوريوس، فأمر بطرحه على حديد محمى بالنار، ثم علّقه منكس الرأس وربط في عنقه حجرًا كبيرًا كي يعجّل بموته، ولكن رئيس الملائكة ظهر له مرة أخرى وشفاه من جميع جراحاته.
وإذ خاف ديكيوس من غضب أهل روما أرسله إلى قيصرية عاصمة كبدوكية (بتركيا) حيث أمر بقطع رأسه بحد السيف بعد أن يجلد بالسياط .
حين وصلوا إلى مكان الإستشهاد بسط القديس يديه ووقف يصلي بحرارة راجيًا من الرب يسوع أن يقبله.
وبينما هو قائم في الصلاة إذ به يبصر نورًا عظيمًا والرب يسوع في مجده مع ملائكته قد وقف أمامه وأعطاه السلام وباركه، فسجد القديس للرب، وبعد هذا إلتفت إلى الجند وطلب منهم أن يعجّلوا في تنفيذ ما أُمِروا به. ثم أمال رأسه فضربها الجندي بحد السيف، وكان هذا في الخامس والعشرين من شهر هاتور سنة 250م. وكان جسد القديس يضيء وقت استشهاده كما حدثت عجائب كثيرة ساعة دفنه.
✞ بعد انتهاء عصر الاستشهاد سمحت إرادة الرب بظهور جسده، فحمل الشعب الجسد المقدس بإكرام عظيم إلى الكنيسة التي بداخل مدينة قيصرية ووضعوه هناك إلى أن شيّدوا له كنيسة على اسمه.
يقول التقليد الشرقي أن القديس باسيليوس الكبير البطريرك تشفّع بالقديس فيلوباتيرمرقوريوس ضد الإمبراطور يوليانوس الجاحد (331 ـ 363 م). فكان القديس هو وسيلة الانتقام الإلهي من هذا الجاحد، فبينما كان الإمبراطور يحارب في بلاد الفرس ظهر القديس فيلوباتيرمرقوريوس من السماء في زىّ جندي ممسكًا بسيف وحربة غرسها في صدر الإمبراطور فمات وهو ينادي المسيح حانقا "لقد غلبتني أيها ألجليلي!". ذلك لأن الإمبراطور يوليانوس قبل ذهابه إلى الحرب كان قد ألقى القديس باسيليوس في السجن، وكان القديس لشدّة حبه للقديس فيلوباتيرمرقوريوس يحمل أيقونة الشهيد معه أينما ذهب. وفي أحد الأيام بينما كان قائمًا يصلي في السجن أمام الأيقونة أخذ يتأملها ويستشفع بصاحبها، وإذ بصورة الشهيد تغيب من الأيقونة فاندهش القديس باسيليوس وظل يمعن النظر في الأيقونة وبعد برهة وجد أن الصورة عادت إلى ما كنت عليه غير أن الحربة التي كانت بيد الشهيد ملطخة بالدماء.
يوجد دير باسم القديس فيلوباتيرمرقوريوس أبى سيفين للراهبات بمصر القديمة يلتجئ إليه الألوف من النفوس المتألمة للتمتع بالبركات الإلهية.
وفي اليوم الخامس والعشرين من هاتور (4 من ديسمبر) تحتفل الكنيسة الأرثوذكسية في مصر باستشهاد هذا القديس، وأما كنائس الروم فتعيد لذكراه في الخامس والعشرين من شهر تشرين ثاني (نوفمبر)، ولهذا القديس في كنيستنا عيدان آخران: أحديهما في 9 بؤونة (16 يونية) عيد وصول عضو من جسده إلى مصر في عهد الأنبا يوحنس البابا الرابع والتسعين بمساعدة مكروني مطران دير الأرمن بالقدس، ووضع هذا العضو الطاهر في كنيسة القديس أبي سيفين الأثرية بمصر القديمة التي صارت مركزا للكرسي البطريركي فترة من الزمن، وقد رسم فيها (14) أربعة عشر بطريركا. والعيد الثاني عيد تكريس الكنيسة التي كرست و دشنت باسمه ويقع في 25 أبيب (أول يوليو) .