محمد حسين يونس
و كان على الابن التضحية بعينه من اجل حياة الأب ( لازال المصريون يصنعون كعكا على هيئة عين حورس تسمى شوريك يتم توزيعه فى المدافن كقربان أو رحمة ونور على روح الميت )
عندما نبه آمون حورس ألا يلتفت الى جهة معينة، لم يستطع النتر الشاب منع نفسه من النظر فوجد خنزيرا اسودا ضخما خرج من عينه شرار أتلف نظر واحدة من عيني حورس..
الرب الغاضب آمون لعن الخنزير ومن يربى الخنزير أو يأكل لحمه، وهكذا توقف المصريون عن أكل لحم الخنزير و إستمر هذا مع اليهود وأخذ عنهم المسلمون.
الأسطورة هكذا تعنى ان التحريم قد حدث لأسباب مثيولوجية، فالخنزير كان الحيوان الذى اختاره نتر الشر ( ست ) لكى يؤذى غريمه نتر الخير ( حورس ) فى لحظة التضحية والفداء لصالح حياة ابدية للأب المغتال.
نفس الموضوع مع الكلب الأسود، لقد كان ( أنوبيس ) نتر الموت وحامي المقابر لدى قدماء المصريين، وكانوا يخافونه ويتخيلون انه نذير شؤم وأن قدومه يعنى أن أحدهم سوف يودع الدنيا.
اليهود ورثوا كره الكلب الأسود عن المصريين وهم عندما يسمعون نباحه ليلا فانه يعنى أن ملاك الموت يتجول فى الجوار ولا يراه الا الكلب النابح..
المسلمون أخذوا هذا عنهم ليصبح الكلب الأسود المسكين ممثلا للنحس والنجاسة ومبشرا بالموت .
الموت عند المصرى كانت تختلف مراسيمة باختلاف الوضع الطبقي للميت ، فالفقراء والغرباء يمكن أن تترك جثثهم لتبلى أو تتعفن أو تأكلها الجوارح والضوارى
أما الملوك والأمراء والأغنياء فلقد كانت جثثهم تحنط وتحفظ لآلاف السنين على أمل ان تعود لها الروح فتسعى فى ملكوت الرب الشمسى ( آمون / رع ) تركب معه مراكبه المبحرة فى محيط السماء بالنهار و تضوى كنجم ليلا .
بمرور الوقت أمَن كهنة أوزوريس للرعية ( الناس العادية ) أمل فى حياة أخرى على طريقتهم بغض النظر عن المكانة الاجتماعية للمتوفى ،
كل ما كان مطلوبا ان يكون الميت من الأبرار الذين إذا عرضوا على محكمة أوزوريس، ووضع قلبه فى الميزان مقابل ريشة (ماعت )نتريت الحق والاستقامة خفت موازينه فيدخل الى حقول الاليسيان( جنة أوزوريس ) يعيش هناك خالدا بين الأرباب والأجداد والآباء البررة،
أما من ثقلت موازينه فقلبه سيكون وجبة شهية لحيوان قاسى( أموت) الذى سيأكله ويحرم صاحبه من الجنة والخلود.
جنة أوزوريس عبارة عن حقول ترويها مياه نيل سماوى، ينبت الطازج من الفواكه والأعناب وتحافظ فيها نترز صغرى على راحة واستمتاع سكانها، الذين يعيشون فى كسل دون جهد يعوضهم عما لاقوا من تعب ونصب فى الحياة الدنيا،
اليهود استعاروا جنة أوزوريس والمسلمون أخذوها عن اليهود.
المسلمون واليهود اتفقوا فى تفاصيل مثيولوجية كثيرة فكل منهما ينتظر فى ليلة ما مختارة أن تفتح أبواب السماء وتقبل دعاء من له حاجة فتلبيها فورا،
وكل منهما يتقرب الى الله بالذبائح التى أنقذت (اسماعيل/ اسحق) من سكين أبيهما ابراهيم ..
وكل منهما يصلى من أجل المطر، ويستخير، ويؤمن بالسحر، والحسد وكلها جاءت من مصر بما فى ذلك رقية الوقاية من الثعابين أو تلاوة رقية دخول النار و الخروج منها دون ضرر ..
المتوفى المصرى كان يتم تحنيطه فى حوالى اربعين يوم، ثم يجرى بعدها طقوس الدفن والتى كانت تبدأ بشعائر فتح الفم والتلقين، فتخفف الأربطة حول الوجه ليتاح للفم الحركة ويتلو الكاهن على الميت ما سيحدث له عندما تعود له الحياة ويتم عرضه على نترات محكمة أوزوريس ،
وما عليه أن يقوله فى الاعتراف السلبى أمام المحكمين ذاكرا إياهم فردا فردا وما سيسأله كل منهم وما على الميت أن يرد به ..
من يشهد مراسم دفن لمسلم مصرى سيجد أن هذه الشعائر لازالت قائمة يتلوها مشايخ المقابر بنفس الايقاع والنغم والأسلوب، والمصرى المعاصر لا يعترض على مراسم دفن ذويه التي يزاولها لأربعىن قرنا.
يقول بدج في كتابة ((ألهة المصريين)) أن المصرى القديم كان يزاول طقوس اديان راقية لا تختلف كثيرا من حيث الشكل عن ما يقوم به المعاصرون ..
فهو يصوم صوما كاملا أو عن بعض انواع الطعام و صيامه لفترات محددة تعقبها اعياد
و هو يحج الي ابيدوس حيث دفن جزء من الاله اوزيريس و هو اثناء الحج يحلق شعرة و يرتدى ملابس خاصه
و كهنته يصلون في اوقات معينة مرتبطة بمكان الشمس في السماء
وهو يتلو التسابيح لرب الشمس فجرا بصوت ووقع لازال يعيش في وجداننا حتي اليوم
المصرى كان يستخدم قبل الصلاة المياه في التطهر و ينظف اسنانه بالنطرون
و كان له معبده وديره وكان من بين كهنته رجال و نساء نساك و رهبان ..
المصرى في اغلب فترات تاريخه كان موحدا يعبد ربا واحدا خالق نفسه و بارىء الكون بما فيه وواهب الرزق لكل مخلوقاته بأيديه الممتدة من الشمس للارض
و كان( رع ) يتمتع بعدد من الاسماء التي تقترب من المائه اغلبها صفات ربانية كالعليم و الخبير و السميع و البصير و القوى .
ولقد قام توينبي بعمل مقارنة بين ادعية اخناتون لربة ومزامير داود ..و انتهي الي تطابقهما بل وجد أن الغموض الذى يصاحب المزامير ينجلي اذا اخذ الرب آتون في الاعتبار .. (( نكمل حديثنا باكر )).