الأقباط متحدون - هل الحل في حكومة الأغلبية؟
أخر تحديث ١٤:٠٩ | الثلاثاء ٢٦ يونيو ٢٠١٢ | ١٩بؤونة ١٧٢٨ ش | العدد ٢٨٠٣ السنة السابعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

هل الحل في حكومة الأغلبية؟


بقلم : د.عبدالخالق حسين
 
أثبت التاريخ أن الديمقراطية في أي بلد في العالم لم تتحقق بسهولة، بل عبر مخاض عسير، وفي معظم الحالات بعملية جراحية، عن طريق الحروب والثورات والانتفاضات المسلحة، لأن الحاكم المستبد لن يتنازل عن سلطته ونفوذه طوعا، ليمهد للانتقال التدريجي السلمي إلى النظام الديمقراطي بسلاسة ودون هزات عنيفة. ولا الشعب المحكوم طوال تاريخه بالظلم والجور قادر على ممارسة الديمقراطية عند ولادتها وتطبيقها بسهولة. لذلك فالمرحلة الانتقالية من الاستبداد إلى الديمقراطية الناضجة لا بد وأن تكون مليئة بالاضطرابات والآلام إلى أن يتدرب الشعب على ممارستها، وتصبح الديمقراطية جزءً من ثقافتها الاجتماعية، وهذا ما حصل حتى في الدول الديمقراطية العريقة.
 
ومما يزيد الطين بلة في حالتنا العراقية، أن حكم البعث أعاد الشعب العراقي إلى ما قبل نشوء الدول والأمة، فأحيى فيه القبلية والعشائرية التي أصدرت ثورة 14 تموز  شهادة وفاتها بإصدار قانون إلغاء حكم العشائر عام 1958. ولكن باغتصاب البعث للسلطة عام 1968، تم بعث القبلية والعشائرية، وتحويل العراق إلى إتحاد عشائري، وصار صدام حسين شيخ المشايخ. كذلك وزع البعث ظلمه على الشعب العراقي حسب انتماءاتهم القبلية والأثنية والطائفية، إضافة إلى انتعاش النزعة الدينية، وبالتالي ظهور الإسلام السياسي، فمن الطبيعي في هذه الحالة أن يجد الناس ملاذهم الآمن بالتخندق في القبيلة والعشيرة والطائفة والأثنية. وكل هذه العوامل تعتبر معوقات للديمقراطية.
 
لقد رأت القابلة الأمريكية التي أشرفت على ولادة الديمقراطية في العراق، أن تُشرِك لأول مرة جميع مكونات الشعب العراقي وكياناته السياسية في الحكم دون إقصاء أو إستثناء، وحسب ما تفرزه صناديق الاقتراع. ولكن المشكلة، أن هناك بعض الشركاء شاركوا في العملية السياسية لإفشالها وإعادة التاريخ إلى الوراء. وقد أثبتت تجارب السنوات التسع أن هناك كتل سياسية مشاركة في السلطة، وتهيمن على معظم الوزارات الخدمية، ولكنها في نفس الوقت تعمل على شل عمل الحكومة، ونهب الثروات، وحرمان المواطنين من الخدمات، والعمل على نشر الفساد المالي والإداري بغية إثارة تذمر الشعب ضد الحكومة المنتخبة التي يشاركون فيها بحصة الأسد، وليثبتوا للمواطنين أن الديمقراطية لا تصلح للعراق، ولا يمكن حكمه إلا بحكم البعث المستبد، وقائد سياسي مثل صدام حسين بالقبضة الحديدية.
 
في الحقيقة، عمل حزب البعث خلال 35 سنة من حكمه الجائر على تأكيد وتكريس هذا الاعتقاد (عدم ملائمة الديمقراطية للشعب العراقي) في صفوف الشعب، وذلك بتفتيت النسيج الاجتماعي، والتجهيل المتعمد، ونشر ثقافة العنف، وروح الاستسلام والعدمية، وإضعاف النزعة الوطنية، وجعل المواطنين يعتقدون أنه لا مناص لهم من الاستسلام التام لحكم البعث، واعتباره كالقدر المكتوب، وبالتالي لا يمكن حكم هكذا مجتمع متشرب بالعنف إلا بالقبضة الحديدية، وبالتالي لا تصلح الديمقراطية للشعب العراقي. 
 
إن مشاركة جميع الكتل السياسية من مختلف أطياف الشعب دون استثناء أو إقصاء، في (حكومة الشراكة الوطنية الشاملة) لا يخلو من إيجابيات، فهكذا حكومة تضم ولأول مرة في تاريخ العراق، كل الكتل السياسية التي تمثل جميع مكونات الشعب وأطيافه وفق ما تفرزه صناديق الاقتراع. ولكن الجانب السلبي لهذه الحكومة، أن نسبة كبيرة من المشاركين فيها غرضهم من المشاركة هو شل الحكومة وإفشال العملية السياسية وإعادة التاريخ إلى عهد البعث الصدامي وتحت مختلف الواجهات والذرائع.
 
يقول المفكر الهندي Amartya Kumar Sen ، الحائز على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية لعام 1998: "يجب ألا نسأل أنفسنا هل شعب ما مؤهل للديمقراطية أم لا، وإنما يجب أن نعرف أنه لا يصبح أي شعب مؤهلاً للديمقراطية إلا من خلال ممارسته لها. لذلك، فالديمقراطية هي ليست الغاية فحسب، بل والوسيلة لتحقيقها"، أي لا يمكن تحقيق الديمقراطية في بلد ما إلا من خلال الديمقراطية نفسها، وفي هذه الحالة لا بد من وقوع أخطاء، والشعوب تتعلم من أخطائها.
 
وهذا ما نلاحظه في التجربة العراقية. فمنذ سقوط حكم البعث الفاشي إلى اليوم، وخلال تسع سنوات، ورغم الحملات الإعلامية العربية الظالمة لتضليل الشعب العراقي، والرأي العام العربي والعالمي، وتشويه صورة الديمقراطية والحكومة المنتخبة، إلا إن الأحداث بدأت توقظ الشعب العراقي، فبدأ العراقيون يدركون ما يحاك ضدهم، ويميزون بين السياسيين المخلصين للعراق، وأولئك الذين يريدون  به شراً، ويعيدونه إلى العهد البعثي الصدامي، وخدمة لمصالح بعض دول الجوار، ولأغراض شخصية وفئوية، وطائفية، وعنصرية على حساب المصلحة الوطنية. 
 فهؤلاء الشركاء لهم قدم في السلطة وأخرى في المعارضة، بل وحتى في الإرهاب. وقد أثبتت السنوات الماضية أن هكذا حكومة لا يمكن لها أن تنجح في تقديم الخدمات، وتوفير الأمن والاستقرار والتخلص من الفساد والإرهاب، لأن في هذه الحكومة وزارات تابعة لكتل سياسية معادية للديمقراطية، تعمل على شل عمل الحكومة، أي أن نصف الحكومة يشل عمل النصف الآخر، فلا بد في هذه الحالة أن تكون المحصلة صفر. وهذا ما حصل كنتيجة لحكومة تضم جميع الكيانات السياسية، المؤيدة والمعادية للديمقراطية دون تمييز.
 
ما الحل؟
لا يمكن للحكومة أن تراوح في مكانها لتسع سنوات على حساب المواطن الذي يدفع الثمن، وحرمانه من الخدمات والعيش بكرامة رغم توافر الأموال الهائلة. فطالما فشلت (حكومة الشراكة الوطنية الشاملة)، يجب تجربة البديل الآخر، وهو (حكومة الأغلبية). فالمعروف في الأنظمة الديمقراطية، أن لا بد من معارضة ديمقراطية تحت قبة البرلمان من نواب الكتل السياسية غير المشاركة في السلطة، وخارج البرلمان من منظمات المجتمع المدني، و الصحافة الحرة التي تمثل الرأي العام، تراقب نشاط الحكومة والأحزاب عن كثب، وتحاسبها على كل صغيرة وكبيرة. وبدون هذه المؤسسات لا توجد ديمقراطية.
 
وما يشجع على تشكيل حكومة الأغلبية، والتخلي عن حكومة المشاركة الشاملة، أن هناك عدد غير قليل من نواب كتلة "العراقية" والتيار الصدري، والتحالف الكردستاني، أدركوا ما يحاك ضد العراق الديمقراطي الفيدرالي من مؤامرات قذرة من قبل السعودية وقطر وتركيا وغيرها، وأن المستهدف هو مستقبل العراق والديمقراطية. لذا نشاهد بروز حراك سياسي لإعادة اصطفاف القوى السياسية في تحالفات جديدة. لذلك فشلت محاولات (جماعة أربيل) بقيادة (البرزاني-علاوي- الصدر-النجيفي- الهاشمي) وبتحريض ودعم ومباركة السعودية وتركيا وقطر، في سحب الثقة من رئيس الوزراء السيد نوري المالكي، كما قرأنا ذلك في رسالة فخامة رئيس الجمهورية السيد جلال طالباني*. 
لذا فالحل الأنسب، في رأينا ورأي الكثيرين من السياسيين والكتاب، هو تشكيل حكومة الأغلبية.
 
والجدير بالذكر، أن هناك من يدعي أن (حكومة الأغلبية) هي حكومة تكريس الطائفية، ولكن هؤلاء أنفسهم ملئوا الدنيا ضجيجاً بوصف (حكومة الشراكة الشاملة) بحكومة المحاصصة الطائفية والعنصرية. فهؤلاء في جميع الأحوال هم ضد أية حكومة منتخبة، أغلبية أو شاملة، لأن غرضهم هو إفشال العملية السياسة برمتها وباسم الديمقراطية. ووفق الاصطفافات الجديدة التي يمكن تشكيل حكومة الأغلبية تضم ممثلين عن جميع أطياف الشعب دون استثناء. لذلك، فالادعاء بأن حكومة الأغلبية تعني عزل مكونة أو طائفة معينة إدعاء باطل وهراء فارغ، القصد منه تكريس شل الحكومة.
 
خلاصة القول، إن حكومة الأغلبية المنسجمة تعمل بانسجام أفضل بكثير من حكومة الشراكة الشاملة المتنافرة، نصفها يشل النصف الآخر.

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع