عبد المنعم بدوى
بين يدى كتاب " الأبداع من التشكيل الى السينما " ، تأليف المخرج " أحمد فؤاد درويش " ، ولأننى و " درويش " أصدقاء منذ ــ الطفوله ــ نحمل ملامح جيل واحد ، لذا كان الأستمتاع بكتابه وأستيعابه سهلا وميسورا .. كلانا تشكل جنينا فى رحم قضية النضال المصرى ، وكلانا علمته يوليو خطواته الأولى ، وغرزت فى وجداننا اغانى الأمانى وأناشيد المعارك ، وكلانا سالت دموعه بداخله حينما فقدنا الحلم دون أن نفقد الأمل .
كان والدى ووالد درويش زميلان يعملان فى شركة شل للبترول " شركة آبار الزيوت الأنجليزيه المصريه " ، وفى عام 1950 تقرر نقلهم من القاهره الى مدينة رأس سدر على خليج السويس فى سيناء ، حيث توجد حقول البترول التابعه للشركه ، كان عمرى فى هذا الوقت 4 سنوات ودرويش عمره 3 سنوات ، وكنا نسكن فى فيلتين متجاورتين ، وكان عدد الأسر المصريه فى البلده محدود للغايه وباقى العاملين من الأجانب وأسرهم من مختلف الجنسيات .
ولاتغيب عن ذاكرتى وقائع تأميم جمال عبد الناصر لقناة السويس عام 1956 ، وكان عمرى 10 سنوات ، وردا على تأميم ناصر للقناه قامت انجلترا وفرنسا وأسرائيل بشن الحرب ( العدوان الثلاثى ) على مدن القناه وسيناء ، وفى يوم من شهر أكتوبر 1956 عندما كانت الأسرتان تجلسان حول الراديو لسماع الأخبار ... صدرت التعليمات لجميع أسر العاملين بالشركه ــ مصريين وأجانب ــ بمغادرة رأس سدر فورا والتوجه الى مدينة السويس ، لأن الدبابات والقوات الأسرائيليه أجتاحت سيناء وأصبحت على مشارف المدينه ... نجح العاملين فى الشركه وأسرهم فى الهروب من الوقوع فى أسر القوات الأسرائيليه ، والوصول الى مدينة السويس ليلا فى الظلام قبل أقتحام القوات الأسرائيليه المدينه ...
بعد أنتهاء الحرب فى ديسمبر 1956 ، وأنسحاب القوات البريطانيه والفرنسيه واسرائيل ، غادرنا مدينة السويس ، وعدنا الى مدينة رأس سدر فى سيناء مره أخرى ، لنجدها مدينه منهوبه مدمره بالكامل حيث دمرت القوات الأسرائيليه جميع المبانى والطرق ومنشآت آبار البترول قبل أنسحابها ... فى تلك الأثناء أنضم الى العاملين بالشركه فى رأس سدر ، عائله جديده لمهندس مصرى شاب لديه بنت وولد ، الولد هو " طارق حجى " الذى أصبح فيما بعد المدير الأقليمى لشركة شل العالميه لمنطقة الشرق الأوسط والمفكر والمثقف المصرى الشهير .
وحينما أفترقنا لزمن ــ أنا ، ودرويش ، وحجى ــ ... أتجه درويش للدراسه بالمعهد العالى للسينما ، وعمل مخرجا سينمائيا فقدم للسينما الروائيه ، فيلم " اعدام طالب ثانوي " عام 1980 بطولة: محمود عبدالعزيز و نور الشريف و سهير رمزي ، وفي عام 1989 قدم الفيلم السياسي "حلاوة روح "عن قصة قصيره للأديب يوسف إدريس بطولة: كمال الشناوي و صفية العمري .
لكن شغف "درويش" بالسينما التسجيلية والوثائقية والروائية القصيرة كان شديدا ، لدرجة جعلته يترك ــ السينما الروائيه ــ ليصبح واحد من المخرجين المتميزين المخضرمين والأوفياء للسينما التسجيليه المصريه .
أحمد فؤاد درويش الفنان .. سواءا كان مخرجا سينمائيا ، أو كاتبا ، أو عضوا بهيئة التدريس بمعهد السينما ، أو مستشار أعلامى للمنظمه العربيه للتربيه والثقافه والعلوم ، تجده ــ هو وكل أبناء جيله ــ يحملون فى داخلهم دائما حيرة الأنسان ، وقلق الضمير ، وأوجاع سياط الزمان.