إعداد وتقديم الباحث – عصام عاشور
قال الباحث عصام عاشور، إن تاريخ الحركة الوطنية المصرية قديم قدم الشعب المصرى ذاته فبدايةً من التاريخ المكتوب فإن حركة الشعب المصرى للتمرد والثورة على إستبداد حكامه والتمرد والثورة على سارقى قوته والتمرد والثورة على من يعمل على إفقاره .. حتى التمرد والثورة على من يعمل على التضييق على حرياته.
وتابع عاشور، خلال برنامج "الحكاء.. شذرات من تاريخنا"، المذاع على شاشة الأقباط متحدون، من هنا كان لابد من إعلام الشباب والأجيال الجديدة بهذا التاريخ .. لذك إخترت وسيلة البث التليفزيونى عبر أحدث وسائل الإتصال وهى الإعلام الإجتماعى أو كما تسمى بالإنجليزية (السوشيل ميديا) تلك الوسيلة التى يجيد إستخدامها ويفضلها أبناء هذه الأجيال.
وإذا ما تم سؤالى لماذا هذه الوسيلة خاصة وأن كتب التاريخ تملء أرفف المكتبات وهى غالباً متاحة للقراءة بأسعار معقولة فلابد قبل أن أجيب أقدم إعتذارى أولاً قبل أن أقول أن أغلب (قأقول أغلب ولم أقل كل) أبنائنا لا تفضل قراءة الكتب التاريخية .. لذلك أقدمت على هذه المغامرة شديدة الإرهاق والتى تتلخص فى قيامى بحكى أهم الوقائع (والتى تحتاج منى الإطلاع على عدد غير قليل من أهم المراجع التاريخية الموثوق بها) أقول حكى أهم الوقائع والتى أعتبر من وجهة نظرى أنها لابد وأن تبدأ بتاريخ الحركة الوطنية للشعب المصرى وعلى التخصيص أبدأ بالتاريخ الحديث للحركة الوطنية المصرية ..
كما أن معظم المؤرخين يرون أنها تبدأ من مقاومة المصريين للحملة الفرنسية التى غزت مصر فى عام حيث قاومها الشعب عن طريق ثورتين كبيرتين .. ثورة القاهرة الأولى وثورة القاهرة الثانية ثم تلاها مقاومة الشعب للولاة العثمانيين حتى نجح الشعب المصرى فى إختيار محمد على لحكم مصر.
ونحن هنا على هذه الشاشة وهذا الموقع المحترم قدمنا أربعة حلقات عن أسرة محمد على وخاصة الخديوى إسماعيل .. ولم يقطع تسلسلنا فى الحلقات والحكى سوى مئاوية ميلاد عالم كبير هو الدكتور رشدى سعيد الذى رأينا أنه من الواجب والمهم تعريف الأجيال الجديدة به وأيضاً الإحتفاء به.
ومن ثم نعود لإستكمال الحكى عن التاريخ الحديث للحركة الوطنية المصرية.
لتكون أولى حلقاتنا عن مقدمة وبدايات الثورة العرابية التى نشبت فى عهد الحاكم الخامس من أبناء محمد على وهو الخديوى توفيق إبن الخديوى إسماعيل الذى توقفنا عنده فى نهاية الحلقة الرابعة.
الأساطيل على شواطئ الإسكندرية
وصلت الحملة المشتركة وكانت أقوى قوة بحرية تصل للشواطئ المصرية منذ الحملة الفرنسية. وتقدم القنصلان الإنجليزى والفرنسى إلى رئيس الوزراء بمذكرة تقول : إنه لوضع حد لحالة الإضطراب السائد فى مصر مطلوب تنفيذ الآتى:
1 إبعاد سعادة عرابى باشا مؤقتاً من مصر مع بقاء رتبته ومرتباته ونياشينه.
2 إبعاد على باشا فهمى وعبد العال باشا حلمى (من كبار القادة العسكريين) إلى داخل مصر مع بقاء مرتباتهما ونياشينهما.
3 تسريح العساكر ولا يبقى منها إلى ما يحفظ الحدود.
رفض مجلس الوزراء المذكرة جملة وتفصيلاً، لكن قبل الخديوى الإنذار بكامله ونصح رئيس الوزراء والوزراء بقبوله.
إنعقد مجلس النواب فى جلسة طارئة دون دعوة من الخديوى كما تقضى القوانين بذلك وكان ذلك بمنزل رئيس المجلس محمد سلطان باشا فى 27 مايو 1882 . إتفق النواب على أن يطلب من الخديوى رفض الإنذار .. وأن يأمر بعودة الحكومة ووزير الجهادية (عرابى) وعدم عزل أى من الضباط.
أثناء ذلك حضر جمع من الضباط بحديقة منزل محمد سلطان باشا وأخذوا فى الهتاف :
(إعزلوا الخديوى الذى دعا الأجانب للتدخل فى أمرنا وتهديدنا بأساطيلهم).
تجمع بالعاصمة (القاهرة) جموع من الأعيان وكبار موظفى الحكومة وقدموا العرائض محتجين على ما قام به الخديوى وطالبين رفض الإنذار أو عزل الخديوى.
شاهد الجزء الأول.. تاريخ الحركة الوطنية المصرية.. بدايات ومقدمات الثورة العرابية
شاهد الجزء الثاني.. من تاريخ الحركة الوطنية المصرية.. الصدام الكبير
لم يكترث الخديوى .. بل تولى بنفسه رئاسة الوزراء ودعا الجميع للمحافظة على الأمن والنظام وحذر من مغبة الخروج عليهما .. وقال أن الأساطيل لم تأتى للعدوان وإنما لكى تساعد فى إقرار السلام والأمن.
توالت البرقيات من كل أرجاء مصر تحمل آلاف التوقيعات مطالبةً برفض الإنذار وعودة الوزارة .. كانت أهم وأخطر برقية من ضباط الحاميات وضباط أمن الإسكندرية تقول :
(إذا لم يعد الوزراء إلى مناصبهم خلال إثنتى عشرة ساعة .. سوف يحدث من الأمور ما لا يحمد عقباه).
تلتها برقية مماثلة من حاميات القاهرة. فى نفس الوقت جاء وفد كبير من الأعيان يتصدرهم رؤساء الأديان الثلاثة شيخ الإسلام وبطريرك الأقباط وحاخام اليهود .. وطالبوا الخديوى بالرجوع عن قراراته.
وفى نفس الوقت أيضاً ذهب رئيس مجلس النواب وتوسل للخديوى أن يعيد الوزراء وإلا كانت حياته فى خطر. أذعن الخديوى لكل هذا وألغى هذه القرارات.
عقد قناصل الدول الأجنبية إجتماعاً لم يدعى إليه قناصل إنجلترا وفرنسا .. وذهبوا لمنزل عرابى وطالبوه بضرورة تأمين رعاياهم .. ورغم أنه أخبرهم بأنه تم عزله ولا سلطة له .. لكنهم قالوا : (إن الجيش لا يخالف إرادتك وأنت زعيم الحركة الوطنية فلا نأمن على رعايانا وأنفسنا إلا بإعطائك الأوامر بذلك وبالتالى حتى تسكن روعة الرعايا وتطمئن.
بعد هذا الإلحاح من القناصل قبل عرابى المهمة .. وأرسل تليغرافات إلى جميع المراكز العسكرية أن يلزموا الهدوء والسكينة .. وأن يحافظوا على على راحة الجميع وخصوصاً رعايا الدول الأجنبية وأن يعاملوهم أحسن معاملة. لكن وقع عرابى هذه البرقيات بصفته رئيس الحزب الوطنى.
طلب كل من رئيس مجلس النواب ومجموعة من النواب وجميع القناصل الأجانب عدا قنصلى بريطانيا وفرنسا من الخديوى عودة عرابى وزيراً للجهادية والبحرية من أجل إطمنان الجميع وحفظ الأمن العمومى .. وقد وافق الخديوى دون عودة الوزارة.
هكذا تربع عرابى زعيم الفلاحين على قمة السلطة بإرادة الأمة ثم بإرادة الدول الألأوربية جميعاً عدا دولتى بريطانيا وفرنسا.
فقد كانت الإحتفالات تقام فى كل مكان يتصدرها عرابى وأعوانه من كبار رجال الحركة الوطنية .. حتى أصبحت الأمة كلها عرابى وأصبح عرابى الأمة بأجمعها.
وهنا لابد أن نذكر أنه فى هذه الأجواء كان يمكن لعرابى خلع الخديوى وعزله أو على الأقل أن يؤلف وزارة جديدة يختار أعضائها بنفسه فقد كان معه الرؤساء الروحانيون الثلاثة الإسلامية والمسيحية واليهودية و كذلك القوى السياسية والعسكرية والمثقفون .. وكانوا جميعاً على إستعداد للتوقيع على ذلك .. وكانت كل من روسيا والنمسا والمانيا وايطاليا واليونان تؤيده حفظاً لمصالح رعاياها.
تأخر عرابى ولم يقتنص هذه الفرصة التى لم تسنح من قبل فى تاريخ مصر. والتى أدت أن دفعت مصر وعرابى نفسه أثمان باهظة سنوات كثيرة جداً من الإحتلال الإنجليزى للبلاد دام أكثر من سبعين عاماً.
عند وسول الأساطيل إلى الإسكندرية نظر قائد الأسطول الإنجليزى إلى الشاطئ فرأى القلاع والحصون قديمة متهالكة فقال:
(إن هذه المدينة – الإسكندرية – سوف لا تستغرق منى أكثر من نصف ساعة لتتحول إلى كومة رماد وبعدها لن تقوم لهؤلاء – الزنوج – من أهلها قائمة).
ولما حاول المصريون ترميم الحصون والقلاع ونصب مدافع جديدة .. إعتبرت إنجلترا ذلك تهديداً لأساطيلها .. وأصدرت الأوامر لقواتها إذا أصر المصريون على ذلك (عليكم تدمير الحصون وإسكات المدافع إذا أطلقت النيران).
إزاء إصرار جميع القوى الوطنية وجموع من الشعب على مقاومة الإفتراءات الإنجليزية عقد فى قصر الخديوى أكبر إجتماع شهدته البلاد ضم أكبر حشد من الوزراء ورؤساء الوزارات ومن النواب والضباط والعلماء والأعيان وتصدره الرؤساء الروحانيون الثلاثة ومبعوث للسلطان العثمانى .. وإنتهى الإجتماع ورأى الجميع إلى أنه :
( لا مناص من المقاومة).
كما أن الحماس قد أخذ الخديوى وأعلن أنه سوف يقود المعركة بنفسه .. وقرر أن يقوم بتعبئة البلاد للمعركة.