" بقلم المهندس باسل قس نصر الله، مستشار مفتي سورية
عندما كنتُ صغيراً، كان هناك برنامج إذاعي تصدحُ فيهِ "أم كلثوم" بأغنية كتبها "نزار قباني" تقول:
"يا أيها الثوار في القدس
في الخليل في بيسان في الأغوار
في بيت لحم حيث كنتم أيها الأحرار
تقدموا
تقدموا
إلى فلسطين طريق واحد
يمر من فوهة بندقيه"
وكنتُ من شدةِ حماستي للأغنية أحوّلُ البيت إلى "أرضٍ فلسطين" وأنتقل بين الغرف وأنا أقفز وأتدحرج مُطلقاً الرصاص من بندقيتي اللعبة، وصوت خالتي يلعلع "باسل خَربت البيت .. باسل صَرعتني .. حاجة تجن"، فأتوقف عن "تحرير فلسطين" وأنظر شذراً إلى خالتي التي لولاها لكنتُ استعدت القدس.
وكان يأتيني صوت فيروز بكلماتٍ كتبها "الرحابنة":
"الغضبُ الساطع آت
وأنا كلي إيمان
الغضبُ الساطع آت
سأمرّ على الأحزان
من كل طريق آت
بجياد الرهبة آت
وكوجه الله الغامرِ
آتٍ آتٍ آتٍ"
فكنتُ أغلي بداخلي بأنه حان الآوان للتحرير، وما نحنُ إلا على بُعد مسافة، ومن المؤكد أن هناك من سيقوم بتحرير "فلسطين" ولن تَقف في وجهه "جميع خالاته وعماته".
كانت هاتين الأغنيتين بكلماتهما الصادقة تُعبّر عن ما يجولُ لدى الملايين.
كبرتُ وبدأ اهتمامي بالحقل السياسي والشؤون العامة، وكانت حرب تشرين التي أعطتني دفعة من المعنويات، والنشوة، وأنا أذكر ليالي الاستنفار خلال الحرب بلباس "الفتوّة" الطلابي، وأصبحتُ متأكداً مِن أننا نسيرُ على الطريق الصحيح.
وبدأت المسارات والانهيارات والتراجعات، فبعد "لاءات الخرطوم الثلاثة - لا للصلح ولا للاعتراف ولا للتفاوض مع الصهاينة"، كانت زيارة "السادات" وبدأ بعدها مسار "اوسلو، ووادي عربة".
وبعد "حق العودة" لمِئات الآلاف في المخيماتِ "المؤقتة" و"السلام العادل والشامل"، جاء السلام "الممكن".
ومن "فلسطين كلها" إلى "ما تيَسّرَ منها"
أخجلّ من وجوهِ أطفالكم ونسائكم في المخيمات.
عُذراً خالتي لأنني "كركبتُ البيت" من أجل فلسطين التي "يبيعونها اليوم"
اللهم اشهد اني بلغت