بقلم / نجيب محفوظ نجيب.

عندما نظر إلى ...لم أكن أفكر فى أحد سواه...تطلعت الى وجهه المشرق بأبتسامة رقيقة تعكس نقاء قلبه...و همست إليه قائلا : " ألست خائفا ؟!"...أجابنى : " لا يوجد معنى لهذه الكلمة فى قاموس حياتى...فقلت له : " كنت واثقا من ردك هذا... ولكننى أردت أن أرى قوتى فيك "...سيطر الصمت لحظات...كان كلا منا مستغرقا فى تفكير عميق...متأملا...واضعا حياته بين يدى مانح الحياة...
 
قطعت الصمت وقد بدأ الحزن على ملامح وجهى...موجها كلامى له قائلا : " لم يكن يخطر للى ببال أنه سيأتى اليوم الذى ألقاك فيه راقدا مثلى على سرير المرض فى إنتظار إجراء جراحة خطيرة...كنت أتمنى أن أعيش ما يتبقى لى من أيام و المرض كائنا فى جسدى...لكى لا أرى الطبيب ينتزع جزء من جسدك ليزرعه فى جسدى...قال لى و قد بدا التأثر على قسمات وجهه : " و هل كنت تنتظر منى أن أراك تذوب و تذبل أمامى...و أنا عاجز لا أستطيع أن أقدم لك شيئا...كيف و دوائك فى يدى ؟!...فليس لى انسان سواك...أنت تعرف أن القدر قد أختار جميع من أحببت.
ترقرقت عيناى بالموع...فنهض يمسح دموعى...و وضع رأسى بين يديه مقبلا جبينى...و هنا أحسست أن هموم العالم قد رحلت عنى...فكم يساوى إحساس الحب فى زمن لا يعرف الحب ؟!
 
بدأت رحلتى مع الأوجاع عندما كنت مريضا بمرض خطير...و لم يكن لى سوى أمل وحيد...أن أجد من يتبرع لى بجزء من عضو من أعضاءه ...
أخفيت حقيقة مرضى عن أقرب الناس لى لكى لا أحزن قلوبهم...و لكى لا أرى الشفقة فى عيونهم...حتى صديقى الوحيد لم يعرف شيئا...
مضت الأيام و الطبيب الذى يعالجنى يبحث عن متبرع و لكن دون جدوى...فأستدعانى و تحدث الى و فى صوته نبرة يأس واضحة قائلا : " لا فائدة من الإنتظار...سوف أرسل جميع التقارير و التحاليل التى تصف و تشخص حالتك المرضية بكل دقة الى أحد كبار الأطباء فى الولايات المتحدة الأمريكية و هو يملك مستشفى خاص لعلاج الأمراض الخطيرة ...أنا واثق من أنه سوف يجد لك متبرعا فى أقرب وقت ممكن...قلت له : " لك ما تريد...فأنا لست قلقا أو خائفا...لأننى أؤمن إيمان حقيقى من عمق قلبى أن روحى ليست ملكا لى...فهى ملك الخالق الذى منحنى اياها...و ان أراد أن يستردها فهى ملكا له...و فعلا لم تمض سوى أسابيع قليلة...إلا و جائنا رد الطبيب من أمريكا فقد وجد متبرعا...أخذت أرتب نفسى للسفر إلى أن جاء ميعاد الرحيل...
 
فى الولايات المتحدة الأمريكية... ألتقيت بالطبيب الذى سيجرى لى الجراحة...فأطلعنى على تقرير دقيق يوضح حقيقة مرضى...و طمأننى قائلا : "أن الأمل كبير فى أن تتم هذه العملية بنجاح...و إن شاء الله سوف تستمر فى حياتك بصورة طبيعية...و قبل أن يستكمل كلامه...قاطعته قائلا : " أريد أن أعرف من المتبرع ؟"...قال لى : " أتريد أن تتأكد من صدق التحاليل التى أجريتها له ٍ...أطمئن تماما...أنه يوجد تطابق بين أنسجته و أنسجتك...و سوف يتقبل جسمك العضو الجديد بدون أى تعب إن شاء الله...قلت له : " إنى واثق من هذا تمام الثقة...و لكنى أريد أن أعرف شخصية المتبرع عن قرب...فقال لى : " سوف تعرفه عند إجراء الجراحة...لأن هذا هو طلبه الوحيد...
 
لم يكن أمامى سوى الأنتظار...ولا يوجد أمر من الأنتظار...إلى أن أتت الساعة...وكان اللقاء...و كانت المفاجأة...ان المتبرع هو صديقى الوحيد...المهاجر الى أمريكا منذ عام...أبتسمت له و أبتسم لى...مد يديه و أحتوانى بين ذراعيه...تعانقنا و بكينا...و عندما هدأنا همس لى معاتبا : " كيف تخفى مرضك عنى أولست تعلم مدى محبتى لك...أنت توأمى...قلت له : " لم يطاوعنى قلبى...قأنا أعرف أن حزنك يسبب لك الألم والمرض ...قال لى : " كيف هذا ؟!" ان ما تحس به أحس به و ما يؤلمك يؤلمنى...ألست أنت من علمنى هذا الأحساس ؟!... ألا تتذكر أنك علمتنى معنى الوفاء...كنت مريضا...يائسا محبطا...الموت ينتظرنى فى أى لحظة...أخاف أن يغمض لى جفن لئلا تفارقنى روحى...كان هذا عندما توقفت الكليتين عن القيام بوظائفهما...فكنت أنت من وهبنى كليته...أعطيتنى أملا جديدا فى الحياة قائلا لى : " ليس لى إنسان أعيش من أجله سواك "...أوبعد هذا تريدنى أن أعلم مدى خطورة مرضك و أقف مكتوف الأيدى...لا لن يكون هذا...أقترب منى و ضمنى إلى صدره مرة أخرى...و ساد الصمت للحظات...ثم دار بيننا الحوار الذى بدأت به قصتى...
 
مضت الأيام و قد تمت العملية بنجاح...و أستطعت أنا و صديقى أن نعود الى الحياة بشكل طبيعى...و الأن قد علمتنا الحياة معنى جديد للحب...و قد أصبحنا توأما فى الروح...فلم نعد بعد أثنين بل انسانا و كيانا واحدا .